قال : هيهات ، لابد من ذلك (١)
أجل ، لقد ضيق الرشيد علي الامام ، وفي سجن السندي بالذات ، فما بدا من الامام اعتراض ، ولا حاول اطلاق سراحة بوسيلة ، بل ترفع عن التنازل لهارون ، وأبيوساطة أي انسان في شأنه ، وامتنع عن تلبية الراغبين بذلك ، وقال لهم :
«حدثني أبي عن آبائه ، أن الله عزوجل أوحي الي داود : يا داود ما اعتصم عبد من عبادي بأحد من خلقي دوني ، وعرفت ذلك منه ، الا قطعت عنه أسباب السماء ، وأسخت الأرض من تحته» (٢).
وكان منهجه في السجن المواظبة المثلي علي العبادة الخالصة ، والانابة والخشوع والتسليم ، قال الشيخ المفيد ، وهو يتحدث عن حال الامام في السجن :
«وكان (عليهالسلام) مشغولا بالعبادة ، يحيي الليل كله صلاة ، وقراءة قرآن ، ودعاء ، واجتهادا ، ويصوم النهار أكثر الأيام ، ولا يصرف وجهه عن المحراب» (٣).
وفي قبال هذا التوجه العبادي ، كان الامام محاطا بزمر أهل المعاصي ومرتكبي الكبائر ، ولا حول ولا طول لديه علي التغيير. فقد حدث كاتب عيسي بن جعفر ، والامام سجين لديه ، قال : «لقد سمع هذا الرجل الصالح ـ يعني الامام ـ في أيامه هذه؛ في هذه الدار التي هو فيها من ضروب الفواحش والمناكير ما أعلم ولا أشك أنه لم يخطر بباله» (٤).
وكانت الحياة العلمية وهو سجين تنام وتستيقظ ، فقد يسمح السندي
__________________
(١) الصدوق / عيون أخبار الرضا ١ / ٩٥.
(٢) اليعقوبي / التأريخ ٣ / ١٢٥.
(٣) المفيد / الارشاد / ٣٣٨.
(٤) المجلسي / بحارالأنوار ٤٨ / ٢٢١ وانظر مصدره.