لولا أن يتداركها الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) في ذلك التوجه النابض.
يقول الأستاذ باقر شريف القرشي : «وكان من أهم ما عني به الامام موسي (عليهالسلام) نشر الثقافة الاسلامية ، واشاعة المعارف العامة بين الناس ، وقد عملت تعاليمه الرفيعة علي تنمية العقول ، وتثقيف الأفكار ، وتقدم المسلمين في الميادين العلمية ... ونظرا لمركزه العلمي الخطير فقد شاع ذكره في البلاد ، وتحدث الركبان بوفرة مواهبه ومقدراته العلمية ، وقد دان شطر كبير من المسلمين بامامته ، وجعلوا مودته ، والأخذ بقوله ، فرضا من فروض الدين» (١).
وهنا يقترن الهدف الديني بالهدف العلمي ، فتكون الحصيلة المزدوجة من اقترانهما : أن ما يبلغ علميا يصدر عن قناعة دينية ، وبذلك يكتب لأي أثر في هذا المنظور السيرورة النافذة.
وكان الامام موسي بن جعفر (عليهالسلام) قد استشف من وراء الغيب أن حياته مهددة بالخطر سياسيا ، وليس في مقدوره تغيير هذا المنحني السياسي الطائش ، فاتجه الي الرسالة العلمية مناضلا في ميادينها كافة ، والتزم الخط المنهجي لجامعة أهل البيت في تخطيطها البعيد ، وهو يستشرف العالم الاسلامي في حركته العلمية الدائبة ، فغذاها ـ أعني الجامعة ـ بفيض امداده الذي لا ينضب ، وتبني الملتفين حول أغصانها بأبوة مانحة للتوجيه والنصح الكريم ، وتلقي هؤلاء هذا العطف المثالي بجد واجتهاد فما فرطوا في شيء ، بل اهتبلوا الفرص المواتية ـ علي شدة الرقابة ـ للافادة والاضاءة ، وكان هذا الحافز الشريف ، يسترعي نظر الامام في العطاء ، فكتب ، وألف ، وحدث ، وأفتي ، وناظر ، وحاضر ، فصان الجامعة بأبنائها الواثقين ، ونشر مبادئها الكبري في شتي الممالك والأقاليم ، فكانت قبلة
__________________
(١) باقر شريف القرشي / حياة الامام موسي بن جعفر ١ / ٣٣.