يأخذ أربعة من الطير ، فيضمّهن إليه ، ثم يجزّئهنّ ويفرّق أجزاءهنّ على الجبال ، ثم يدعوهن فيأتين ساعيات مسرعات في طيرانهن ، أو في مشيهن على أرجلهن. ويقول صاحب الكشاف متسائلا ؛ فإن قلت : ما معنى أمره بضمها إلى نفسه بعد أن يأخذها؟ قلت : ليتأملها ويعرف أشكالها وهيئاتها وحالاتها لئلا تلتبس عليه بعد الإحياء ولا يتوهم أنها غير تلك ، ولذلك قال : (يَأْتِينَكَ سَعْياً) (١).
(وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فلا ينقص من عزّته شيء إزاء زوال أي شيء من مخلوقاته ، حكيم يضع كل شيء في موضعه في قصة الحياة والإحياء.
* * *
الفرق بين الإيمان والاطمئنان القلبي
وقد أثار المفسرون حديثا طويلا حول ما يمثله سؤال إبراهيم عليهالسلام للحصول على الاطمئنان القلبي من حيث إن ذلك لا يتناسب مع مقامه النبوي الذي ينطلق من أجل تحصيل الطمأنينة للآخرين لا لنفسه. فقال بعضهم إن السؤال هو عن كيفية حصول الإحياء دون مشاهدة كيفية الإحياء وإن الجواب لا يدل على أزيد من ذلك ، وإن القضية لم تعرض على هذا الأساس ، بل عرضت على أساس توضيح الفكرة ، تماما كما يقول قائل : كيف يصنع الحبر؟ فتقول : خذ كذا وكذا تصير حبرا ... وأفاض الحديث في تقريب ذلك. ولكن هذا يتنافى مع ظاهر الآية الذي يدل على أن إبراهيم طلب المشاهدة الحسية ، كما توحي به كلمة : أرني ، وقوله : كيف تحيي الموتى ، مما يدل على أن السؤال هو عن كيفية الإحياء.
__________________
(١) تفسير الكشاف ، ج : ١ ص : ٣٩٢.