أراد أن يكرمهم بها. ولهذا فلا معنى لأن يتوجه العباد إليهم حتى عبر الواسطة ، بل يكون التوجه إلى الله بأن يجعلنا ممن يشفعهم بهم ، لأنهم لا يملكون الشفاعة بأنفسهم ، بل يملكونها من خلال وحيه وإذنه وتعليمه ، وبذلك نتخلص من هذا الإغراق في أسلوب الطلب من الأنبياء والأولياء بالمستوى الذي قد ينسى فيه الطالب ربّه في استغراقه العميق في ذات النبي أو الولي ، إذا لم يكن واعيا بالدرجة التي يستطيع من خلالها أن يضع الأشياء في مواقعها الصحيحة من العقيدة والشريعة.
* * *
مع صاحب الميزان في شموليته للشفاعة التكوينية
وقد ذكر صاحب الميزان في حديثه عن الشفاعة في هذه الآية أن «الشفاعة هي التوسط المطلق في عالم الأسباب والوسائط أعم من الشفاعة التكوينية ، وهي توسط الأسباب في التكوين ، والشفاعة التشريعية ، أعني التوسط في مرحلة المجازاة التي يثبتها الكتاب والسنة في يوم القيامة ... وذلك أن الجملة ، أعني قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ) مسبوقة بحديث القيومية والملك المطلق الشاملين للتكوين والتشريع معا ، بل المتماسّين بالتكوين ظاهرا ، فلا موجب لتقييدهما بالقيومية والسلطنة التشريعيتين حتى يستقيم تذييل الكلام بالشفاعة المخصوصة بيوم القيامة.
فمساق هذه الآية في عموم الشفاعة مساق قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) [يونس : ٣] ، وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ) [السجدة : ٤] ، وقد عرفت في البحث عن الشفاعة أن حدّها كما ينطبق على الشفاعة