التشريعية كذلك ينطبق على السببية التكوينية ، فكل سبب من الأسباب يشفع عند الله لمسبّبه بالتمسك بصفات فضله وجوده ورحمته لإيصال نعمة الوجود إلى مسببه ، فنظام السببية بعينه ينطبق على نظام الشفاعة كما ينطبق على نظام الدعاء والمسألة» (١).
ولكننا نلاحظ على هذا الكلام ، أن حمل الشفاعة على ما يشمل السببية التي عبر عنها بالشفاعة التكوينية ، خلاف ظاهر الكلمة من الناحية اللغوية في معنى المصطلح ، لأنها ظاهرة في حركة الإنسان في التوسط لإنسان آخر لإيصال الخير إليه أو دفع الشر عنه من خلال استحقاقه للمنع عن الخير وللوقوع في الشر جزاء لعمله ، وبهذا يكون دور الشفيع الذي يتمتع بالاستقلال في حركته مع المشفوع عنده ، أنه يملك التأثير عليه من ناحية مادية أو معنوية ، بحيث لا يملك ذاك ردّه أو يصعب عليه دفعه عما يريده أو يطلبه ، وذلك إمّا لكونه في الموقع الذي يساويه أو يتقدم عليه في المنزلة الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية في مدارج السلطة ، أو في الموقع العاطفي الذي ينفذ من خلاله إلى مشاعره العاطفية التي لا يستطيع معها أن يتنكر لمطالبه.
وهذا هو المعنى الذي يريد الله أن ينفيه عن نفسه ، لأنه يتنافى مع قيوميته في ذاته على الوجود كله وعلى الناس كلهم ، فليس كمثله شيء حتى يساويه أو يتقدم عليه ليفرض إرادته على إرادته ، وليس موقعا للانفعالات العاطفية أو غيرها ليتأثر بها ، فهو الغني بذاته عن كل خلقه ، فلا يملك أحد عنده أي شيء ، بل هو المالك لهم في كل وجودهم ، فلا معنى للشفاعة بالمعنى الذاتي للشفيع.
ولذلك كان النفي عن ملكية أحد للشفاعة عنده مساوقا لنفي مساواة
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٣٣٧ ـ ٣٣٨.