تفضيل الرسل بعضهم على بعض لا يعني اختلاف الهدف
في الآية حديث عن تفضيل الله لبعض الرسل على بعض ، وحديث عن اختلاف أممهم من بعدهم واقتتالهم ، فكيف نفهم ذلك؟
١ ـ أما التفضيل ، فقد يخطر في البال ، أن المراد به تفضيل القيمة ، لما توحي به الكلمة من الأفضليّة ، ولكن التدبّر في الآية يوحي أنه بمعنى الميزة والخصوصية التي يمنحها الله لبعض الناس دون بعض الحكمة يراها ، من دون أن تعني امتيازا ذاتيا. وهذا ما نستوحيه من الآيات التي تحدث عن تفضيل بني إسرائيل على العالمين ، حيث إن البارز فيها هو تفضيل النعمة لا تفضيل القيمة ، ولهذا لم يمنع لذلك من ذمّهم ولعنهم في آيات كثيرة من القرآن ، وربما يؤكد ذلك ، أن الله عند ما فصّل التفضيل ، جعل منه تكليم الله لبعضهم ، وجعل منه رفعه لبعضهم درجات ، الأمر الذي نستوحي منه ، أن التفضيل قد يأتي بمعنى لا يفرض ارتفاع المنزلة. وبهذا نردّ على من تساءل أن فقرة (وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجاتٍ) بمثابة تكرير لما تفيده كلمة التفضيل. فإن المعنى الذي أشرنا إليه يبتعد بالآية عن ذلك كما هو واضح.
ولكن ذلك لا ينفي انطلاق القيمة في التفضيل من تفاضل العناصر الذاتية الموجودة في كل واحد منهم ، كما قد تكون من الألطاف الإلهية التي اختص بها الله بعضهم ببعض الامتيازات والمهمات ، انطلاقا من الظروف الموضوعية المحيطة بالمرحلة الزمينة ، والتحديات المتنوعة ، والأوضاع الاجتماعية أو بعض القضايا الخفية التي اختص الله بعلمها ، مما يفرض الحاجة إلى معجزة معينة في مجتمع ما ، ومعجزة أخرى في مواجهة هذا التحدي ، وصفات مميزة في هذا النبي أو ذاك تبعا للدور الذي أوكل إليه أو المهمة التي كلف بها.