الإنفاق من رزق الله
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ) ثم تتعرض هذه الآية إلى توجيه النداء إلى المؤمنين ، في ما يفرضه عليهم الإيمان من أفكار للحياة وانسجام معها في الخط العملي ، بالإنفاق مما رزقهم الله على كل من يحتاج إلى ذلك من الفئات المحرومة والمستضعفة من أجل تحرير هؤلاء من سيطرة القوى الطاغية الغاشمة عليهم من خلال حاجاتهم التي قد تستعبدهم بفعل الضرورة ، وإنقاذ واقعهم من الانهيار المادي الذي قد يتحول إلى سقوط روحي أو معنوي تحت تأثير الضغط الجسدي في إلحاح الجوع والعطش والعري والتشريد على الإنسان في واقعه المرير ، حتى لا يدفعهم ذلك إلى الانحراف والاختلاف المرضي الذي يؤدي إلى الاقتتال ، ويدفع بهم إلى مواقع الضعف أمام ضغط القوي الذي قد يتحول إلى ضغط على قناعاتهم الفكرية والسياسية والاجتماعية. وبهذا نعرف أن مسألة الإنفاق لا تنحصر في قاعدتها الشرعية من الناحية الفكرية في سدّ حاجات الفقراء والمعوزين ، بل تمتد إلى تحرير حاجاتهم من ضغط الأغنياء والمستكبرين ليتحركوا في مواقعهم وموافقهم من خلال حريتهم في القناعة والإرادة والحركة.
وربما كان في التعبير ب (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) إيحاء بأن الإنسان لا ينفق ممّا يملكه ، بل ينفق مما أعطاه الله ؛ الأمر الذي لا يجعل له الحرية في الإنفاق وعدم الإنفاق ، بل هو مسئول أن ينفق منه على نفسه ، ثم ينفق ما يفضل عنه على الآخرين من موقع إنفاق مال الله على عباد الله.
(مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ) وقد أثار الله أمام الإنسان قضية الإنفاق من موقع المصير الذي يقدم عليه يوم القيامة ، حيث لا يجد الإنسان أية وسيلة للخلاص في ما اعتاده من وسائل الخلاص في الدنيا ، فهناك لا مجال للبيع الذي يحاول الإنسان فيه أن يطرح ما يملكه من السلع ليحصل