عام ، وقد تحوّل إلى عظام ، وهذه هي عظامه تتلاحق وترتفع فترتبط ببعضها البعض ثم تدبّ فيه الحياة عند ما تكتسي هذه العظام باللحم بقدرة الله. ووضحت القضية لديه كأعظم ما يكون الوضوح ، وعاش الشعور بالإيمان في موقع اليقين ، فقال ـ معبّرا عن ذلك ـ (أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وقد أثار بعض المفسرين أمام هذه القضية بعض التأويلات لأنه درج على استبعاد الأشياء الغيبية في قصص القرآن ، أو في بعض رموزه كالملائكة ونحوها. وقد تحدثنا في بعض أبحاث هذا التفسير عن هذا الاتجاه ، وقلنا إن الإقرار بمبدإ الغيب في العقيدة يفرض علينا القبول بالأمور المرتبطة به وعدم استبعاد خضوعها لهذا المبدأ ، فلا يجوز حملها على خلاف ظاهرها إلّا إذا كان هناك دليل يدل على ذلك ، ومن المعلوم أن الاستبعاد لا يصلح دليلا على ذلك.
* * *
قصة الذي مات ثم عاد إلى الحياة
(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ) وهي بيت المقدس لما خرّبه بختنصر ـ كما قيل ـ أو الأرض المقدّسة ، في قول آخر ، أو هي القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت في احتمال ثالث ، وهي خاوية على عروشها ، فلا أثر فيها للحركة والحياة والعمران ، فقد مات أهلها وسقطت سقوفها وأبنيتها ، فهي قرية ميتة في جميع مظاهرها وأوضاعها ، فانطلقت أفكاره في قضية الحياة والموت كأيّة ظاهرة للموت في هذا الحجم يلتقي بها الإنسان ، فيطرح السؤال الكبير الذي قد ينطلق من فضول المعرفة ، أو من خاطرة الشك الطارئ السريع الذي لا يبتعد عن أجواء الإيمان ، لأن المؤمن قد يطوف به طائف من الشيطان في حالة الاستغراق الفكري ليتذكر بعدها. (قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ) القرية بأهلها وبنيانها (اللهُ بَعْدَ مَوْتِها). كيف يحدث ذلك؟ وهل