ولعلّ الدافع لأمثال هؤلاء هو الانطلاق من فكرة إبعاد الغيب عن ساحة الأنبياء في معاجزهم واستبعاد تحقق الحياة من خلال كلماتهم التي لا تحمل أي شيء من القوة في هذا الجانب ، ولكن القضية كما ألمحنا إليه ، أن هذا الاتجاه يدفعنا إلى التحفظ في الغيب كمبدإ ، لأن المبدأ إذا كان واردا في العقيدة ، فلا قيمة للتفاصيل بعد ذلك ، لأن بإمكاننا أن نتساءل : ما هو المانع من أن يبعث الله الحياة في هذه الطيور بقدرته بمجرد دعوة إبراهيم عليهالسلام؟ ولا يملك هؤلاء دليلا على تعزيز مثل هذا الاتجاه في حمل اللفظ على خلاف ظاهره ، ولسنا هنا في معرض استعراض ما قاله المفسرون من وجوه عديدة في تفسير السؤال ، بل كل ما نريد إثارته ، هو أن السؤال لا يمثل أيّة مشكلة فكرية ، لأن قضية الإيمان تتصل بالقناعة الفكرية المنطلقة من مصادره العقلية وغير العقلية. أمّا الاطمئنان ، فإنه يمثل سكون القلب وهدوءه ، بحيث لا يعيش أيّ خاطر مضادّ ولو في جولة الأوهام ، مما يفرض أن تكون مصادره واضحة للحس أو ما يقرب الحس ، وهذا لا يعتبر منافيا للإيمان. وربما كان أيّ واحد منا يعيش الكثير من الخطورات الذهنية المضادة لما يؤمن به في الأمور التي تدخل في نطاق الحس ، بينما لا يحس بمثل ذلك في ما يكون الحس مصدره الأساس ، فلا مانع من أن يكون سؤال إبراهيم واردا في هذا النطاق.
* * *
ماذا نستوحي من الآية؟
أما ما نستوحيه من هذه الآية ، فهو ما ألمحنا إليه في كتابنا «الحوار في القرآن» :