(وَسِعَ) معنى «الإحاطة» والحفظ ، فتنسجم مع قوله تعالى : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما) أي لا يجهده حفظهما ؛ وتكون خلاصة المعنى ، أن ملك الله وسلطته تسع السموات والأرض ، فهو الذي يدبرهما ويرعاهما ويحفظهما من دون جهد ولا تعب ، لأن قوته لا تقف عند حد ، فلا معنى للجهد وللتعب معها في أيّ حال من الأحوال ، وفي أي موقع من المواقع.
(وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) الذي لا يمكن أن يقترب إليه أحد من مخلوقاته ، لأنه العليّ الذي لا تستطيع هذه المخلوقات أن تبلغ مداه الذي لا يحدّ في علوّه ، والعظيم الذي تصغر كل الأشياء أمامه مهما بلغت من عظمة وحجم ، لأن عظمتها مستمدة من سرّ العظمة في خلقه ، الذي يعيش الحاجة المطلقة إليه ، وهذا ما عبّر عنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين في دعاء يوم الجمعة والفطر : «كل جليل عندك صغير وكل شريف في جنب شرفك حقير» (١).
* * *
الإيحاءات والدروس
قد تكون قيمة هذه الآية ـ في الجانب الإيحائي من القرآن ـ أنها تمثل وعي العقيدة في العقل والروح والإحساس بالبساطة التوحيدية التي لا تدخل الإنسان في التعقيدات الفلسفية ، بل تقدّم له الصورة الإلهيّة واضحة بسيطة ينفتح فيها التصوّر على الله في وحدانيته في شمول ربوبيته لكل شيء ، بكل ما تعنيه كلمة الربوبية من الخلق والتدبير والإمداد الغيبي والشهودي والقيام على الخلق كله بالمطلق واليقظة الدائمة التي لا مجال فيها لأيّ غياب
__________________
(١) الصحيفة السجادية الكاملة ، دار الأضواء ، بيروت ، دعاؤه في يوم الفطر ، ص : ٢٦٩.