وللأئمة عليهمالسلام.
إن الله يريد أن يؤكد في هذه الفقرة من الآية ، إحاطته بكل شؤون خلقه في علمه بكل ما يفيضون فيه ، وما يتحركون به ، في الوقت الذي لا يملكون الإحاطة بأيّ شيء من علمه من خلال قدراتهم الذاتية ، فهو الذي يعطيهم ما يريده لهم من العلم بشكل مباشر أو غير مباشر. وبذلك يشعر المخلوق بالتضاؤل أمام الكثير الكثير جدا مما يجهله ومما لا طريق لديه للعلم به ، فيتواضع لله الذي خلقه ويبتهل إليه في ما علمه الله من ابتهالات العلم (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) [طه : ١١٤].
(وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) قال في الكشّاف : «الكرسي ما يجلس عليه ، ولا يفضل عن مقعد القاعد. وفي قوله : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ) أربعة أوجه : أحدها أن كرسيّه لم يضق عن السموات والأرض لبسطته وسعته ، وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط لا كرسي ثمّة ولا قعود ولا قاعد ، كقوله (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) [الزمر : ٦٧] ، من غير تصوّر قبضة وطيّ يمين ، وإنما هو تخييل لعظمة شأنه وتمثيل حسي. ألا ترى إلى قوله (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ). [الأنعام : ٩١] والثاني : وسع علمه وسمّي العلم كرسيا تسمية بمكانه الذي هو كرسي العالم. والثالث وسع ملكه ؛ تسمية بمكانه الذي هو كرسي الملك. والرابع : ما روي أنه خلق كرسيا هو بين يدي العرش دونه السموات والأرض ، وهو إلى العرش كأصغر شيء» (١).
وربما كان الأنسب بجوّ الآية المعنى الثالث ، الذي يعطي معنى السلطنة المطلقة التي تتمثل في التدبير والإشراف ، وبذلك تتخذ كلمة
__________________
(١) الزمخشري ، أبو القاسم محمود بن عمر ، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، دار الفكر ، ج : ١ ، ص : ٣٨٥ ـ ٣٨٦.