يمكن للحياة أن تتجدد بعد الموت؟ ومن أين يحدث ذلك؟ وفي أىّ زمان؟ وكيف يكون ذلك من دون أن يعرف طعم الموت. فلم يكن قد دخل تجربة الموت ليعرف تجربة الحياة بعدها ، وكأنه أراد أن يعرف سرّ الظاهرة في إمكانات التغيير (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) تماما كما تموت الحياة بالكلّية في إشباع عميق بالموت ، بحيث يزول الإنسان من حركية الحياة كما يزول من خاطر الوجود من خلال هذا التقادم في السنين ، كما هي هذه القرية التي ربما كانت عاشت تجربة الموت في الزمن السحيق ، مما جعل تجربة الموت في جسده ، مماثلة لتجربة الذين ماتوا فيها. (ثُمَّ بَعَثَهُ) حيّا كما كان.
وبدأت الحياة تضجّ في جسده كما لو كانت حالة طبيعية مستمرة في حياته اليومية ، لأن الإنسان لا يشعر بثقل الموت عليه في داخل تجربته ، فإذا عادت إليه الحياة ، فلا مجال للإحساس بشيء جديد في طبيعة ذاته ، إلا كما يحس الإنسان الذي يستيقظ بعد الموت ، ولذلك فلم يشعر بمرور الزمن عليه (قالَ كَمْ لَبِثْتَ) هل هذا القول حقيقي ـ كما هو ظاهر الكلمة ـ أو هو شيء يخاطبه من داخل نفسه ، أو هو شخص مرّ عليه في حالته هذه ممن سمع عن هذا الإنسان منذ زمن بعيد ، وهل هو حديث مع الله أو مع النفس أو مع الناس ، وهل تكون نسبة البعث إلى الله دليلا على أن القائل هو الباعث؟ كلّ ذلك محتمل (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ). وما هو سرّ الغرابة في هذه التجربة العادية في حياة الإنسان اليومية ليطرح هذا السؤال بهذه الطريقة؟ فليست المسألة إلا ظاهرة نوم طبيعي قد يستغرق الإنسان فيه فيشمل اليوم كله أو يقتصر على بعضه. (قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) وهنا كانت المفاجأة الصاعقة ، فليست القضية قضية سبات طبيعي ، بل قضية موت محقق في مدى القرن من الزمان وبعث جديد ، إذا فهذه هي التجربة التي كان السؤال يدور حولها ، فقد انطلقت في داخل ذاته ، لقد مات كل هذا الزمن الطويل وأحياه الله من جديد ، وكان ـ هو ـ الجواب الحاسم عن سؤاله الكبير ، فلم