تعد القضية قضية الظاهرة في خارج ذاته ، بل في عمقها وامتدادها. ويمتد الوضوح به ليجسد له معنى المعجزة الإلهية في المسألة التي تؤكد فعلية الحياة بعد الموت من خلال ذلك.
(فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَشَرابِكَ) الذي كان معك (لَمْ يَتَسَنَّهْ) لم تغيره السنون ، فبقي في حيوية خصائصه وعناصره من دون أن يستهلكه أو يبدله مرور الزمن ، فإن الذي أبقاه هو الذي منحك البقاء في الحياة من جديد ، (وَانْظُرْ إِلى حِمارِكَ) الذي كان معك كيف تفرقت أجزاؤه ، وتقطعت أوصاله ، وتبددت عظامه ، وكيف نعيدها من جديد. (وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ) يعتبرون بها في إيمانهم بالله وبقدرته على إعادة الحياة كقدرته على إيجادها ، ويؤمنون ـ من خلالها ـ بالبعث في اليوم الآخر ، فيرتفع عن أفكارهم استبعاد ذلك (وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها) ونرفعها على الأرض لتنضم إلى بعضها البعض ، في عملية إعادة الحياة إلى الجسد ؛ جسدك أو جسد حمارك ، لترى التجربة الحيّة أمامك ، فتعيش المسألة التي كانت مجرد فكرة تبعث على التساؤل في وضوح من الرؤية الباعثة على اليقين (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) الموضوع الجديد الغريب بكل تفاصيله (قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) فهذه هي الحقيقة التي انضم فيها الحس في تجربتي هذه ، إلى العقل في قضية الإيمان ، فلا مجال لسؤال جديد ، إذ لا غموض ولا شبهة في أيّ شيء ، بل هو الوضوح كله.
* * *