إنّك إن لم تفعل ما أمرك به ربّك عذّبك ، قال عليّ : فدعاني فقال : «يا عليّ إنّ الله قد أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، فعرفت أنّي إن بادأتهم بذلك رأيت منهم ما أكره ، فصمتّ ، ثم جاءني جبريل فقال : إن لم تفعل ما أمرت به عذّبك ربّك ، فاصنع لنا يا عليّ رجل شاة على صاع من طعام وأعدّ لنا عسّ لبن (١) ، ثم اجمع لي بني عبد المطّلب» ، ففعلت ، فاجتمعوا له ، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون ، فيهم أعمامه أبو طالب ، وحمزة ، والعبّاس ، وأبو لهب ، فقدّمت إليهم تلك الجفنة فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم منها حذية (٢) ، فشقّها بأسنانه ، ثم رمى بها في نواحيها وقال : «كلوا باسم الله» ، فأكل القوم حتى نهلوا عنه ما نرى (٣) إلّا آثار أصابعهم ، والله إن كان الرجل منهم ليأكل مثلها ، ثم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اسقهم يا علي» ، فجئت بذلك القعب (٤) ، فشربوا منه حتى نهلوا جميعا ، وايم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله ، فلما أراد النّبيّ صلىاللهعليهوسلم أن يتكلّم بدره أبو لهب فقال : لهدّ ما (٥) سحركم صاحبكم ، فتفرّقوا ولم يكلّمهم ، فقال لي النّبيّ صلىاللهعليهوسلم من الغد : «عد لنا يا عليّ بمثل ما صنعت بالأمس» ، ففعلت وجمعتهم ، فصنع رسول الله صلىاللهعليهوسلم كما صنع بالأمس ، فأكلوا حتى نهلوا ، وشربوا من ذلك القعب حتى نهلوا ، فقال النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «يا بني عبد المطّلب إنّي قد جئتكم بأمر الدنيا والآخرة» (٦).
قال أحمد بن عبد الجبّار العطارديّ : بلغني أنّ ابن إسحاق إنّما سمعه
__________________
(١) العسّ : القدح الضخم.
(٢) حذية : بكسر الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة. ما قطع من اللحم طولا ، وقيدها في الأصل بضم الحاء.
(٣) في السير «فما رئي».
(٤) القعب : القدح الضخم. (تاج العروس ٤ / ٦٣).
(٥) لهدّ : كلمة يتعجّب بها. والنهاية لابن الأثير ٤ / ٢٤٢.
(٦) السير والمغازي ١٤٥ ، ١٤٦ دلائل النبوّة للبيهقي ١ / ٤٢٨ ـ ٤٣٠ ، مجمع الزوائد ٩ / ١١٣ ، تاريخ الطبري ٢ / ٣١٩ ، ٣٢١.