فضرب سعد رجلا من المشركين بلحي (١) بعير فشجّه ، فكان أوّل دم في الإسلام ، فلما بادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم قومه وصدع بالإسلام ، لم يبعد منه قومه (٢) ولم يردّوا عليه ـ فيما بلغني ـ حتى عاب آلهتهم ، فأعظموه وناكروه وأجمعوا خلافه وعداوته ، فحدب عليه عمّه أبو طالب ، ومنعه وقام دونه ، فلمّا رأت قريش أنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم لا يعتبهم من شيء أنكروه عليه ، ورأوا أنّ عمّه يمنعه مشوا إلى أبي طالب فكلّموه ، وقالوا : إمّا أن تكفّه عن آلهتنا وعن الكلام في ديننا ، وإمّا أن تخلي بيننا وبينه ، فقال لهم قولا رفيقا ، وردّهم ردّا جميلا ، فانصرفوا (٣).
ثم بعد ذلك تباعد الرجال وتضاغنوا ، وأكثرت قريش ذكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وحضّ بعضهم بعضا عليه ، ومشوا إلى أبي طالب مرّة أخرى ، فقالوا : إنّ لك نسبا (٤) وشرفا فينا ، وإنّا استنهيناك من ابن أخيك فلم تنهه وإنّا والله ما نصبر على شتم آلهتنا وتسفيه أحلامنا حتى تكفّه أو ننازله وإيّاك في ذلك ، حتى يهلك أحد الفريقين ، ثم انصرفوا عنه ، فعظم على أبي طالب فراق قومه وعداوته لهم ، ولم يطب نفسا أن يسلّم رسول الله لهم ولا أن يخذله (٥).
وقال يونس بن بكير ، عن طلحة بن يحيى بن عبيد الله ، عن موسى بن طلحة قال : أخبرني عقيل بن أبي طالب قال : جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : إنّ ابن أخيك هذا قد آذانا في نادينا ومسجدنا ، فأنهه عنّا ، فقال : يا عقيل انطلق فائتني بمحمد ، فانطلقت إليه فاستخرجته من حفش أو
__________________
(١) اللّحي : العظم الّذي في الفخذ.
(٢) كلمة «قومه» ساقطة من الأصل وبعض النّسخ ، والاستدراك من السيرة لابن هشام ٢ / ٣ ، ومن نسخة دار الكتب.
(٣) سيرة ابن هشام ٢ / ٣ ، ٤.
(٤) في السيرة «سنّا».
(٥) سيرة ابن هشام ٢ / ٤ ، ٥.