فقال : لقد سمعت قول الكهنة ، فما هو بقولهم ، ولقد وضعت قوله على أقراء الشّعر (١) ، فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنّه شعر ، وو الله إنّه لصادق ، وإنّهم لكاذبون.
قال : قلت له : هل أنت كافيني حتى أنطلق (٢) فأنظر؟ قال : نعم ، وكن من أهل مكة على حذر ، فإنّهم قد شنفوا (٣) له وتجهّموا ، فأتيت مكة ، فتضعّفت (٤) رجلا منهم ، فقلت : أين هذا الّذي تدعونه الصّابئ؟ قال : فأشار إلى الصّابئ ، قال : فمال عليّ أهل الوادي بكلّ مدرة وعظم ، حتى خررت مغشيّا عليّ ، فارتفعت حين ارتفعت ، كأنّي نصب أحمر (٥) ، فأتيت زمزم فشربت من مائها ، وغسلت عنّي الدّم ، ودخلت بين الكعبة وأستارها ، ولقد لبثت يا بن أخي ثلاثين من بين ليلة ويوم ، وما لي طعام إلّا ماء زمزم ، فسمنت حتى تكسّرت عكن بطني (٦) ، وما وجدت على كبدي سخفة جوع (٧). فبينا أهل مكة في ليلة قمراء إضحيان (٨) ، قد ضرب الله على اصمخة (٩) أهل مكة ، فما يطوف بالبيت أحد غير امرأتين (١٠) ، فأتتا عليّ ، وهما تدعوان إسافا ونائلة ، فأتتا عليّ في طوافهما ، فقلت : أنكحا أحدهما الأخرى ، قال : فما تناهتا عن قولهما ـ وفي لفظ : فما ثناهما ذلك عمّا قالتا
__________________
(١) في الأصل «أقوال الشعراء» ، والتصحيح من صحيح مسلّم.
(٢) في صحيح مسلّم «أذهب».
(٣) شنفوا : أبغضوا.
(٤) أي نظرت إلى أضعفهم.
(٥) يعني كأنّه الصّم المحمّر من دم الذّبائح.
(٦) عكن بطني : بضم العين وفتح الكاف. جمع عكنة ، وهو الطيّ في البطن من السمن.
(٧) سخفة : بفتح السين وضمّها. وهي رقّة الجوع وضعفه وهزاله.
(٨) إضحيان : مضيئة. يقال ليلة إضحيان وإضحيانة ، وضحياء ويوم أضحيان.
(٩) وفي صحيح مسلّم «أسمختهم» والصاد أفصح وأشهر. والصّماخ هو الخرق الّذي في الأذن يفضي إلى الرأس.
(١٠) في صحيح مسلّم «امرأتين منهم تدعوان إسافا ونائلة».