فخرجت أنا وأخي أنيس وأمّنا ، فانطلقنا حتى نزلنا على خال لنا ذي مال وهيئة فأكرمنا ، فحسدنا قومه ، فقالوا : إنّك إذا خرجت عن أهلك خالف إليهم أنيس ، فجاء خالنا فنثا (١) علينا ما قيل له فقلت له : أمّا ما مضى من معروفك ، فقد كدّرته ولا جماع لك فيما بعد ، فقرّبنا صرمتنا (٢) فاحتملنا عليها ، وتغطّى خالنا ثوبه ، فجعل يبكي ، فانطلقنا فنزلنا بحضرة مكة ، فنافر (٣) أنيس عن صرمتنا وعن مثلها ، فأتيا الكاهن فخيّر أنيسا (٤) فأتانا بصرمتنا ومثلها معها.
قال : وقد صلّيت يا بن أخي قبل أن ألقى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بثلاث سنين ، فقلت : لمن؟ قال لله ، قلت : فأين توجّه؟ قال : أتوجّه حيث يوجّهني الله (٥) أصلّي عشاء ، حتّى إذا كان من آخر اللّيل ألقيت كأنّي خفاء ـ يعني الثوب ـ حتى تعلوني الشمس.
فقال أنيس : إنّ لي حاجة بمكة فاكفني حتى آتيك ، فأتى مكة فراث ـ أي أبطأ ـ عليّ ، ثم أتاني (٦) فقلت ما حبسك (٧) قال : لقيت رجلا بمكة يزعم أنّ الله أرسله على دينك (٨) ، قلت : ما يقول النّاس؟.
قال : يقولون : إنّه شاعر وساحر ، وكاهن ، وكان أنيس أحد الشّعراء.
__________________
(١) نثا : أشاع وأفشى.
(٢) الصّرمة : القطعة من الإبل ، وتطلق أيضا على القطعة من الغنم.
(٣) نافر : قال أبو عبيد في شرحها : المنافرة المفاخرة والمحاكمة ، فيفخر كل واحد من الرجلين على الآخر ، ثم يتحاكمان إلى رجل ليحكم أيّهما خير وأعزّ نفرا ، وكانت هذه المفاخرة في الشعر أيّهما أشعر.
(٤) أي تراهن هو آخر أيّهما أفضل ، وكان الرهن صرمة ذا وصرمة ذاك ، فأيّهما كان أفضل أخذ الصرمتين. فتحاكما إلى الكاهن. فحكم بأنّ أنيسا أفضل.
(٥) في صحيح مسلّم «ربّي».
(٦) في صحيح مسلّم «جاء».
(٧) في صحيح مسلّم «صنعت».
(٨) «على دينك». لم ترد في صحيح مسلّم.