وقال الآخر : أعجز على الله أن يرسل غيرك.
وقال الآخر : والله لا أكلّمك بعد مجلسك هذا ، والله لئن كنت رسول الله لأنت أعظم شرفا وحقّا من أن أكلّمك ، ولئن كنت تكذب على الله ، لأنت أشرّ من أن أكلّمك وتهزّأوا (١) به ، وأفشوا في قومهم الّذي راجعوه به ، وقعدوا له صفّين على طريقه ، فلمّا مرّ جعلوا لا يرفع رجليه ولا يضعهما إلّا رضخوهما بالحجارة وأدموا رجليه ، فخلص منهم وهما تسيلان الدماء ، فعمد إلى حائط من حوائطهم ، واستظلّ في ظلّ حبلة (٢) منه ، وهو مكروب موجع ، فإذا في الحائط عتبة بن ربيعة ، وشيبة أخوه ، فلمّا رآهما كره مكانهما لما يعلم من عداوتهما ، فلمّا رأياه أرسلا إليه غلاما لهما يدعى عدّاسا ، وهو نصرانيّ من أهل نينوى ، معه عنب ، فلمّا جاء عدّاس ، قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من أيّ أرض أنت يا عدّاس»؟ قال : من أهل نينوى ، فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : «من مدينة الرجل الصّالح يونس بن متّى» (٣) فقال : وما يدريك من يونس بن متّى؟ قال : أنا رسول الله ، والله أخبرني خبر يونس» ، فلمّا أخبره خرّ عدّاس ساجدا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وجعل يقبّل قدميه وهما تسيلان الدّماء ، فلمّا أبصر عتبة ، وشيبة ما يصنع غلامهما سكتا ، فلمّا أتاهما قالا : ما شأنك سجدت لمحمد وقبّلت قدميه؟ قال : هذا رجل صالح ، أخبرني بشيء عرفته من شأن رسول بعثه الله إلينا يدعى يونس بن متّى ، فضحكا به ، وقالا : لا يفتنك عن نصرانيّتك ، فإنّه رجل خدّاع ، فرجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى مكة (٤).
__________________
(١) هكذا في الأصل ، ودلائل النبوّة للبيهقي ، وفي الدرر لابن عبد البر ، وغيره «هزءوا به» ، وفي مغازي عروة «وهم في ذلك يستهزءون ويسخرون».
(٢) أي كرمة.
(٣) كانت مدته في أول القرن الثامن قبل الميلاد. (تفسير التحرير والتنوير).
(٤) رواه عروة في المغازي ١١٧ ـ ١١٩ ، والبيهقي في دلائل النبوّة ١ / ٣٨٩ ـ ٣٩٢ ، وابن عبد البرّ ـ