فعرفوا رسول الله عند ذلك ، فلبث في بني عمرو بن عوف بضع عشرة ليلة.
وأسّس المسجد الّذي أسّس على التّقوى ، فصلّى فيه ، ثم ركب راحلته فسار ، فمشى معه النّاس ، حتى بركت بالمدينة عند مسجده صلىاللهعليهوسلم ، وهو يصلّي فيه يومئذ رجال من المسلمين ، وكان مربدا (١) للتّمر لسهل وسهيل ، غلامين يتيمين أخوين في حجر أسعد بن زرارة من بني النّجّار ، فقال حين بركت به راحلته : «هذا إن شاء الله المنزل». ثمّ دعا الغلامين فساومهما المربد ليتّخذه مسجدا ، فقالا : بل نهبه لك ، فأبى حتى ابتاعه وبناه (٢).
وقال عبد الوارث بن سعيد وغيره : ثنا أبو التّيّاح ، عن أنس قال : لما قدم رسول الله صلىاللهعليهوسلم المدينة نزل في علو المدينة في بني عمرو بن عوف ، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ، ثمّ أرسل إلى ملأ بني النّجّار ، فجاءوا متقلّدين سيوفهم ، فكأنّي انظر إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأبو بكر ردفه ، وملأ بني النّجّار حوله ، حتى ألقى بفناء أبي أيّوب. متّفق عليه (٣).
وقال عثمان بن عطاء الخراسانيّ ، عن أبيه ، عن عكرمة ، عن ابن عبّاس قال : لمّا دخل النّبيّ صلىاللهعليهوسلم المدينة مرّ على عبد الله بن أبيّ وهو جالس
__________________
(١) المربد : هو الموضع الّذي يجعل فيه التمر ليجفّ.
(٢) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار ٤ / ٢٥٧ ـ ٢٥٨ باب هجرة النبي صلىاللهعليهوسلم وأصحابه إلى المدينة ، وفي المساجد ، باب المسجد يكون في الطريق من غير ضرر بالناس ، وفي البيوع ، باب إذا اشترى متاعا أو دابّة فوضعه عند البائع أو مات قبل أن يقبض ، وفي الإجازة ، باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام ، وباب إذا استأجر أجيرا ليعمل له بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة جاز. (وانظر جامع الأصول ١١ / ٥٩٢ بالحاشية) ، نهاية الأرب ١٦ / ٣٤٤ ، تاريخ الطبري ٢ / ٣٨١ طبقات ابن سعد ١ / ٢٣٩ وتاريخ خليفة ٥٥.
(٣) أخرجه البخاريّ ٤ / ٢٦٦ في مناقب الأنصار ، باب مقدم النبيّ صلىاللهعليهوسلم وأصحابه المدينة ، وابن سعد في الطبقات ١ / ٢٣٥.