فقلنا : من أين لك هذه الصّور؟ لأنّا نعلم أنّها على ما صوّرت ، لأنّا رأينا نبيّنا صلىاللهعليهوسلم وصورته مثله ، فقال : إنّ آدم سأل ربّه تعالى أن يريه الأنبياء من ولده ، فأنزل عليه صورهم ، وكانت في خزانة آدم عند مغرب الشمس ، فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس ، فدفعها إلى دانيال ، يعني فصوّرها دانيال في خرق من حرير ، فهذه بأعيانها التي صوّرها دانيال (١) ، ثم قال : أما والله لوددت أنّ نفسي طابت بالخروج من ملكي ، وأنّي كنت عبدا لشرّكم ملكة حتى أموت ، ثم أجازنا بأحسن جائزة وسرّحنا.
فلما قدمنا على أبي بكر رضياللهعنه ، حدّثناه بما رأيناه ، وما قال لنا ، فبكى أبو بكر وقال : مسكين ، لو أراد الله به خيرا لفعل ، ثمّ قال : أخبرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّهم واليهود يجدون نعت محمد صلىاللهعليهوسلم عندهم (٢).
روى هذه القصّة أبو عبد الله بن مندة ، عن إسماعيل بن يعقوب. ورواها أبو عبد الله الحاكم ، عن عبد الله بن إسحاق الخراساني ، كلاهما عن البلديّ ، عن عبد العزيز ، ففي رواية الحاكم كما ذكرت من السّند. وعند ابن مندة قال : ثنا عبيد الله عن شرحبيل ، وهو سند غريب.
وهذه القصّة قد رواها الزّبير بن بكّار ، عن عمّه مصعب بن عبد الله ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن أبيه مصعب ، عن عبادة بن الصّامت : بعثني أبو بكر الصّدّيق في نفر من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى هرقل ملك الروم لندعوه إلى الإسلام ، فخرجنا نسير على رواحلنا حتّى قدمنا دمشق ، فذكره بمعناه.
__________________
(١) زاد هنا في «المنتقى» لابن الملا : (ولم يزل يتوارثها ملك بعد ملك إلى أن وصلت إليّ.
فدعوناه إلى الإسلام فقال : أما والله ...).
(٢) السيرة الشاميّة المعروفة بسبل الهدى والرشاد للإمام محمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت ٩٤٢ ه.) ـ ج ١ / ١٥٧ وما بعدها.