فالتقيا بمكة ، فقال ابن الزبير للحسين : ما يمنعك من شيعتك وشيعة أبيك! فو الله لو أنّ لي مثلهم ما توجّهت إلا إليهم ، وبعث يزيد بن معاوية عمر بن سعيد بن العاص أميرا على المدينة ، خوفا من ضعف الوليد ، فرقي المنبر ، وذكر صنيع ابن الزبير ، وتعوّذه بمكة ، يعني أنه عاذ ببيت الله وحرمه ، فو الله لنغزونّه ، ثم لئن دخل الكعبة لنحرّقنّها عليه على رغم أنف من رغم.
وقال جرير بن حزم : حدّثنا محمد بن الزبير ، حدّثني رزيق مولى معاوية قال : بعثني يزيد إلى أمير المدينة ، فكتب إليّ بموت معاوية ، وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط ، ويأمرهم بالبيعة ، قال : فقدمت المدينة ليلا ، فقلت للحاجب : استأذن لي ، ففعل ، فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية جزع جزعا شديدا ، وجعل يقوم على رجليه ، ثم يرمي بنفسه على فراشه ، ثم بعث إلى مروان ، فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة مورّدة ، فنعى له معاوية وأخبره ، فقال : ابعث إلى هؤلاء ، فإن بايعوا ، وإلّا فاضرب أعناقهم ، قال : سبحان الله! أقتل الحسين وابن الزبير! قال : هو ما أقول لك.
قلت : أما ابن الزبير فعاذ ببيت الله ، ولم يبايع ، ولا دعا إلى نفسه ، وأما الحسين بن علي رضياللهعنهما ، فسار من مكة لما جاءته كتب كثيرة من عامّة الأشراف بالكوفة ، فسار إليها ، فجرى ما جرى (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) (١).
مجالد ، عن الشعبي. (ح) والواقدي من عدّة طرق أنّ الحسين رضياللهعنه قدّم مسلم بن عقيل ـ وهو ابن عمّه ـ إلى الكوفة ، وأمره أن ينزل على هانئ بن عروة المرادي ، وينظر إلى اجتماع الناس عليه ، ويكتب إليه بخبرهم ، فلما قدم عبيد الله بن زياد من البصرة إلى الكوفة ، طلب هانئ بن عروة فقال : ما حملك على أن تجبر عدوّي وتنطوي عليه؟ قال : يا ابن أخي إنه جاء حقّ هو أحقّ من حقّك ، فوثب عبيد الله بعنزة (٢) طعن بها في رأس
__________________
(١) الأحزاب / ٣٨.
(٢) العنزة : مثل نصف الرمح ، كما في النهاية.