وقال جويرية بن أسماء : حدّثني عبد الوهاب بن يحيى بن عبد الله بن الزبير : ثنا أشياخنا أنّ الفتنة وقعت ، وما رجل من قريش له نباهة أعمى فيها من عمرو بن العاص ، وقال : ما زال معتصما بمكة ليس في شيء ممّا فيه الناس ، حتى كانت وقعة الجمل ، فلما فرغت بعث إلى ولديه عبد الله ومحمد فقال : إني قد رأيت رأيا ، ولستما باللّذين تردّاني عن رأيي ، ولكن أشيرا عليّ ، إني رأيت العرب صاروا عيرين يضطربان ، وأنا طارح نفسي بين جداري مكة ، ولست أرضى بهذه المنزلة ، فإلى أيّ الفريقين أعمد؟
قال عبد الله : إن كنت لا بدّ فاعلا ، فإلى عليّ.
قال : إني إن أتيت عليّا قال : إنما أنت رجل من المسلمين ، وإن أتيت معاوية يخلطني بنفسه ، ويشركني في أمره ، فأتى معاوية (١).
وعن عروة ، أو غيره قال : دعا ابنيه ، فأشار عليه عبد الله أن يلزم بيته ، لأنه أسلم له ، فقال له محمد : أنت شريف من أشراف العرب ، وناب من أنيابها ، لا أرى أن تتخلّف ، فقال لعبد الله : أما أنت فأشرت عليّ بما هو خير لي في آخرتي ، وأما أنت يا محمد فأشرت عليّ بما هو أنبه لذكري ، ارتحلا ، فارتحلوا إلى معاوية ، فأتوا رجلا قد عاد المرضى ، ومشى بين الأعراض ، يقصّ على أهل الشام غدوة وعشيّة : يا أهل الشام إنكم على خير وإلى خير ، تطلبون بدم خليفة قتل مظلوما ، فمن عاش منكم فإلى خير. ومن مات فإلى خير.
فقال عبد الله : ما أرى الرجل إلا قد انقطع بالأمر دونك ، قال : دعني وإيّاه ، ثم إن عمرا قال : يا معاوية أحرقت كبدي بقصصك ، أترى أنّا خالفنا عليّا لفضل منّا عليه ، لا والله ، إن هي إلا الدنيا نتكالب عليها ، وايم الله لتقطعنّ لي قطعة من دنياك ، أو لأنابذنّك ، قال : فأعطاه مصر ، يعطي أهلها عطاءهم ، وما بقي فله (٢).
ويروى أنّ عليّا كتب إلى عمرو يتألّفه ، فلما أتاه الكتاب أقرأه معاوية
__________________
(١) تاريخ دمشق ١٣ / ٢٦٠ أ.
(٢) تاريخ دمشق ١٣ / ٢٦٠ ب ، وهو طويل.