فأضرمت المدينة عليه ، وهربت إلى فلسطين تسأل عن أبنائه ، فلما أتاك قتله أضافتك عداوة عليّ أن لحقت بمعاوية ، فبعت دينك منه بمصر ، فقال معاوية : حسبك يرحمك الله ، عرّضني لك عمرو ، وعرّض نفسه (١).
وكان عمرو من أفراد الدهر دهاء ، وجلادة ، وحزما ، ورأيا ، وفصاحة.
ذكر محمد بن سلّام الجمحيّ : أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا رأى رجلا يتلجلج في كلامه قال : خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد (٢).
وقال مجالد ، عن الشعبي ، عن قبيصة بن جابر قال : صحبت عمر ، فما رأيت رجلا أقرأ لكتاب الله منه ، ولا أفقه في دين الله منه ، ولا أحسن مداراة منه ، وصحبت طلحة بن عبيد الله ، فما رأيت رجلا أعطى لجزيل منه من غير مسألة ، وصحبت معاوية ، فما رأيت أحلم منه ، وصحبت عمرو بن العاص ، فما رأيت رجلا أبين ـ أو قال أنصع ـ طرفا منه ، ولا أكرم جليسا ، ولا أشبه سريرة بعلانية منه ، وصحبت المغيرة بن شعبة ، فلو أنّ مدينة لها ثمانية أبواب ، لا يخرج من باب منها إلا بمكر لخرج من أبوابها كلها (٣).
وقال موسى بن عليّ ، حدّثنا أبي (٤) ، : ثنا أبو قيس مولى عمرو بن العاص ، أنّ عمرا كان يسرد الصوم ، وقلّما كان يصيب من العشاء أول الليل أكثر ممّا كان يأكل في السحر (٥).
وقال عمرو بن دينار : وقع بين المغيرة بن شعبة وبين عمرو بن العاص كلام ، فسبّه المغيرة ، فقال عمرو : يا هصيص ، أيستبّني ابن شعبة! فقال
__________________
(١) تاريخ دمشق ١٣ / ٢٦٣ ب.
(٢) تاريخ دمشق ١٣ / ٢٦٤ أ. وقال ابن عبد البر في الاستيعاب ٢ / ٥١٢ : يريد خالق الأضداد.
(٣) المعرفة والتاريخ ١ / ٤٥٧ ، ٤٥٨ ، تاريخ دمشق ١٣ / ٢٦٤ أ.
(٤) في الأصل «موسى بن علاء بن رباح» ، والتصويب من صحيح مسلم وغيره.
(٥) أخرجه مسلم في الصيام (١٠٩٦) باب فضل السحور وتأكيد استحبابه ، واستحباب تأخيره وتعجيل الفطر ، والترمذي (٧٠٨) ، وأبو داود (٢٣٤٣) والنسائي ٤ / ١٤٦ ، وأحمد ٤ / ١٩٧ من طرق عن : موسى بن علي ، بهذا الإسناد.