إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ) (البقرة / ٣٤) وقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) (الأعراف / ١٢) وقال : (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (الإسراء / ٦١) والقول بأنّ آدم كان قبلة قول لا يرضاه التحقيق ويرفضه التدقيق في فهم الآيات كما ينبغي أن تفهم.
فإن تعسّر عليك فهم هذا وهو ليس بعسير إن شاء الله تعالى ، فانظر إلى نفسك فانّه قد يقضي عليك أدبك مع أبيك واحترامك له أن لا تسمح لنفسك بالجلوس أو الاضطجاع بين يديه ، فتقف أو تقعد ساعة أو فوقها ، ولا يكون ذلك منك عبادة له ، لما ذا لأنّه لم يقارن هذا الفعل منك اعتقاد شيء من خصائص الربوبية فيه. وتقف في الصلاة قدر الفاتحة وتجلس فيها قدر التشهد وهو قدر دقيقة أو دقيقتين فيكون ذلك منك عبادة لمن صلّيتَ له ، وسرّ ذلك هو أنّ هذا الخضوع الممثّل في قيامك وقعودك يقارنه اعتقادك الربوبية لمن خضعتَ له عزوجل.
وتدعو رئيسك في عمل من الأعمال أو أميرك أن ينصرك على باغ عليك أو يغنيك من أزمة نزلت بك وأنت معتقد فيه انّه لا يستقل بجلب نفع أو دفع ضر ، ولكن الله جعله سبباً في مجرى العادة يقضي على يديه من ذلك ما يشاء فضلاً منه سبحانه ، فلا يكون ذلك منك عبادة لهذا المدعوّ ، وأنت على ما وصفنا ، فإن دعوتَه وأنت تعتقد فيه أنّه مستقل بالنفع ، أو الضرّ ، أو نافذ المشيئة مع الله لا محالة ، كنت له بذلك الدعاء عابداً ، وبهذه العبادة أشركته مع الله عزوجل لأنّك قد اعتقدت فيه خصيصة من خصائص الربوبية ، فانّ الاستقلال بالجلب أو الدفع ونفوذ المشيئة لا محالة هو من خصائص الربوبية ، والمشركون إنّما كفروا بسجودهم لأصنامهم ونحوه لاعتقادهم فيها الاستقلال بالنفع ، أو الضرّ ونفوذ مشيئتهم لا محالة مع الله تعالى ، ولو على سبيل الشفاعة عنده ، فانّهم يعتبرونه الربّ الأكبر ولمعبوداتهم ربوبية دون ربوبيته ، وبمقتضى ما لهم من الربوبية وجب لهم نفوذ