على الدوام ، فكان اتباعهم الشيطان في كل ما يأمر وينهى يمثِّل أنّهم اتّخذوه إلهاً وربّاً فأطاعوه كإطاعة المؤمنين لله على بصيرة من أمرهم بما انّه إلههم وربّهم. فكأنّ الخليل يخاطب آزر ويقول له : يا أبت لا تطع الشيطان فيما يأمرك به من عبادة الأصنام لأنّ الشيطان عصِيّ مقيم على معصية الله الّذي هو مصدر كلّ رحمة ونعمة ، فهو لا يأمر إلّا بما فيه معصيته والحرمان من رحمته.
ومثلها الآية الثانية ، فالمراد هو الطاعة فاستعيرت لها العبادة تبييناً لأمرها والمراد منها التبعيّة المطلقة العشوائية التي نهيت عنها في عدّة آيات بهذه اللفظة قال سبحانه : (كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (البقرة / ١٦٨) وقال تعالى : (ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ) (البقرة / ٢٠٨) وقال عزّ من قائل : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ) (الحجّ / ٣).
وبالجملة : تبعيتهم للشيطان أو إطاعتهم للهوى والميول النفسانية ، يمثّل اتّخاذهم لها إلهاً ، أو ربّاً قال سبحانه : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان / ٤٣).
وقال عزّ من قائل : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (الجاثية / ٢٣) أي «انقاد لهواه كانقياده لإلهه ، فيرتكب ما يدعوه إليه ، نعم انّهم لم يتخذوا هواهم إلهاً حقيقة لكنّهم لمّا انقادوا حيثما قادهم الهوى ، فكأنّه صار إلهاً لهم.
ومثله قوله سبحانه : (أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَقَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ) والمراد هو المعنى اللغوى المحض أي خاضعون ، متذللون ، ومنه أيضاً إطلاق المعبّد على الطريق الذي يكثر المرور عليه. والآية نظير قوله : (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائِيلَ) (الشعراء / ٢٢) أي جعلتهم أذلّاء تَذْبَح أبناءهم وتستحيي