وروي أنه لمّا نزل قوله تعالى : (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) (١) قالوا : يا رسول الله ، كيف يشرح الله صدره للإسلام؟ قال عليهالسلام : « يقذف الله تعالى نوراً في قلبه فينشرح ويستوسع ، فقالوا : وهل لذلك علامة؟ فقال : نعم ، التجافي عن دار الغرور ، والإنابة إلى دار الخلود ، والتزود لسكنى القبور ».
وقال عليه الصلاة والسلام : « إذا أحب الله تعالى عبداً نكت في قلبه نكتة بيضاء ، وفتح مسامع قلبه ، ووكل به ملكاً يسدده ، وإذا أبغض عبداً نكت في قلبه نكتة سوداء ، ووكل به شيطانا يغويه ، وعلى ذلك نزل قول الله تعالى : (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطاناً فهو له قرين) (٢) ».
وروي : إن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً ألهمه الطاعة ، وألزمه القناعة ، وفقهه في الدين ، وقواه باليقين ، فاكتفى بالكفاف ، وتحلى بالقناعة.
وروى أبو عبد الله جعفر بن محمد عليهالسلام ، قال : « خرج أمير المؤمنين عليهالسلام يوماً إلى المسجد ، فإذا قوم من الشيعة قعود فيه ، فقال : من أنتم؟ فقالوا : نحن شيعتك يا أمير المؤمنين. فقال : فمالي لا أرى عليكم سيماء الشيعة؟ فقالوا : ما سيماء الشيعة ، يا أمير المؤمنين؟ فقال : عمش العيون من البكاء ، خمص البطون من الصيام والظمأ ، صفر الوجوه من السهر ، يحسبهم الجاهل مرضى وما بهم من مرض ، ولكن فرق من الحساب ويومه أمرضهم ، يحسبهم أهل الغفلة سكارى ، وماهم بسكارى ولكنذكر الموت أسكرهم.
إن شهدوا لم يعرفوا ، وإن غابوا لم يفتقدوا ، وإن قالوا لم يُصدّقوا ، وإن سكتوا لم يُسألوا ، وان أساؤا استغفروا ، وإن أحسنوا لم يفخروا ، وإن ظلموا صبروا ، حتى يكون الله تعالى هو المنتقم لهم ، يجوعون إذا شبع الناس ، ويسهرون إذا رقد الناس ، ويدعون إذا غفل الناس ، ويبكون إذا ضحك الناس.
يتمايلون بالليل على أقدامهم مرة وعلى الأصابع ، تجري دموعهم على خدودهم من خيفة الله وهم أبداً سكوت ، فإذا ذكروا عظمة الله عز وجل انكسرت قلوبهم وطاشت عقولهم ، اُولئك أصحابي وشيعتي حقاً ، الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى ، لهم
__________________
١ ـ الأنعام ٦ : ١٢٥.
٢ ـ الزخرف ٤٣ : ٣٦.