قال الله سبحانه : ( وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) (١) وقال سبحانه : ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) (٢) وقد ظفرت به ، وذل لك مطلبه ، وأستخذى (٣) إليك طمعاً في عفوك ، ورجاءً لحلمك ، والحلم والكرم والعفو والصفح خلق قرشي ، وسجال هاشمي ، وحلة يلبسها البر الكريم جميلة ، وقد أوطأته ربعك الفسيح ، وجنابك السميح ، وضمنت له عليك الوفاء ، حتى يرد كتابك بذلك إن شاء الله تعالى.
فلما قرأه كتب إليه : أما ما ذكرت حسن وخير وجميل ، ووصفت من كرم ، فأنعث ألمقدم فيه والسابق إليه ، بل أنت أصله ، وبك يصح معناه ، وما ذكرت من أمر الرعية ، فإنه كذلك لأنّ الليث لا يفرق إن لم يفترس ، وبالمهابة يمكّن الجموح من عنانه ، ولقد أحسن لنفسه الصنيعة إذ لجأ إليك ، وإنما هرب ليعلم أنه خطر بالبال ، وقد أردت أن يبين طريداً شريداً ، لا يطعم الغمض ، ولا يأمن من الخوف ، حتى ورد كتابك شافعاً فيه ، فأمانك أماني ، وعفوك عفوي ، وأمرك أمري ، فإني لا اُخيف من آمنته ، ولا أرهب من أجرته منتك في الطلب ألينا ألعفو عنه ، أفضل وأعظم من منّتنا بإسعافك بالإجابة إلى ما سألت ، أدام الله نعمتك وسلامتك.
وروي عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها ، عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، أنه قال : يأتي على الناس زمان إذا سمعت باسم رجل خير من أن تلقاه ، فإذا لقيته خير من أن تجربه ، ولو جربته أظهر لك أحوالاً ، دينهم دراهمهم ، وهمتهم بطونهم ، وقبلتهم نساؤهم ، يركعون للرغيف ، ويسجدون للدرهم ، حيارى سكارى لا مسلمين ولا نصارى » (٤).
من كلام العباس بن عبد المطلب رحمهالله وقد جاءه أبو سفيان والزبير ، فعرضا عليه النصرة بعد موت النبي صلىاللهعليهوآله فقال لهما : قد سمعنا مقالتكما ، فلا لقلة نستعين بكما ، ولا لظنة نترك رأيكما ، لكن لالتماس الحق ، فامهلانا نراجع الفكر ، فإن
__________________
١ ـ النور ٢٤ : ٢٢.
٢ ـ آل عمران ٣ : ١٣٤.
٣ ـ استخذى : خضع. « الصحاح ـ خذا ـ ٦ : ٢٣٢٦ ».
٤ ـ أخرجه المجلسي في بحار الأنوار ٧٤ : ١٦٦ / ٣١ عن أعلام الدين.