فصل آخر في السؤال والبيان
إن سألك سائل فقال : ما أول نعمة الله تعالى عليك؟
فقل : خلقه إياي حيا لينفعني.
فإن قال : ولم زعمت أن خلقه إياكُ حياً أول النعم؟
فقل : لأنه خلقني لينفعني ، ولا طريق إلى نيل النفع إلا بالحياة التي يصح معها الإدراك.
فإن قال : ما النعمة؟
فقل : هي المنفعة إذا كان فاعلها قاصداً لها.
فإن قال : فما المنفعة؟
قل : هي اللذة الحسنة ، أو ما يؤدي إليها.
فإن قال : لم اشترطت أن تكون اللذة حسنة به (١)؟
فقل : لأن من اللذات ما يكون قاتلاً ، فلا يكون حسنا.
فإن قال : لم قلت : أو ما يؤدي إليها؟
فقل : لأن كثيراً من المنافع لا يتوصل إليها إلاّ بالمشاق ، كشرب الدواء الكريه ، والفصد ، ونحو ذلك من الاُمور المؤدية إلى السلامة واللذات ، فتكون. هذه المشاق منافع لما تؤدي إليه في عاقبة الحال.
ولذلك قلنا : إن التكليف نعمة حسنة ، لأن به ينال مستحق النعيم الدائم واللذات.
فإن قال : فما كمال نعم اللّه تعالى؟
فقل : إن نعمه تتجدد علينا في كل حال ، ولايستطاع لها الإحصاء.
فإن قال : فما تقولون في شكر المنعم؟
فقل : هو واجب.
فإن قال : فمن أين عرفت وجوبه؟
__________________
١ ـ ليست في المصدر ، والظاهر أنها زائدة.