يفوزون ، ودرجاتهم التي إياها يأملون ، ومجدهم الذي به يفخرون ، وسيماهم التي بها يعرفون ، فإذا لقيتهم يا موسى فاخفض لهم جناحك ، وألِن لهم جانبك ، وذلّل لهم قلبك ولسانك ، واعلم أنه من أخاف لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ، ثم أنا الثائر لهم يوم القيامة (١).
وقال بعض الحكماء : الأيام سهام والناس أغراض ، ترميهم بسهامها ، وتفنيهم بحمامها ، حتى تستعرض جميع اجزائهم ، فكم بقاء سلامة من لا تزال السهام ترميه حتى يضمنه ، فلو كشف لك ـ أيها الانسان ـ عما أحدثت الأيام من النقص فيك ، لا يستوحش من كل يوم يأتي عليك ، وإنها لأمر من العلقم ، وقد أعيت الواصف لعيوبها (٢) بظاهرأفعالها ، وما تأتي به من العجائب أكثر مما تحيط به المواعظ ، فنستوهب الله تعالى رشد الصواب وحسن المآب (٣).
وخطب عمر بن عبد العزيز فقال : أيها الناس ، إنكم خلقتم لأمر إن كنتم تصدقون به فإنكم لحمقى ، وإن كنتم تكذبون به فإنكم لهلكى ، إنما خلقتم لنعيم الأبد إن أطعتم ، ولجحيم الأبد إن عصيتم ، وانكم من دار إلى دار تنقلون ، فاعملوا لما أنتم صائرون إليه ومقيمون فيه » (٤).
ويقول العبد الفقير إلى رحمة ربه ورضوانه الحسن بن أبي الحسن الديلمي ـ جامع هذا الكتاب ، ـ اعلام الدين وصفات المؤمنين ـ أعانه الله على طاعته ، وتغمده برأفته ورحمته : إنه يجب على أهل العقل والفهم والأدب والمعرفة ، أن يعلموا أن الدنيا قد أهانها الله » ، حيث لم يصفها لأوليائه ، ولم يضن بها على أعدائه ، وإنها عنده لحقيرة يسيرة ، فينبغي لأهل هذه الأوصاف ، أن يأكلوا قصداً ، ويلبسوا قصداً ، وينفقوا قصداً ، ويقدموا فضلاً يكون لهم ، فينظروا إلى الدنيا بعين أنها فانية ، وإلى الآخرة بأنها باقية ، ويعلموا أنهم راحلون عنها ، ومحاسبون عليها ، فيخرجوا منها قلوبهم قبل أن تخرج منها أبدانهم ، فإنها سريعة الفناء ، قريبة الانقضاء ، ينظر إليها الناظر فيحسبها ساكنة مستقرة ، وهي سائرة سيراً عنيفاً ، ومثالها الظل فإنه متحرك ساكن ، متحرك في الحقيقة ، ساكن
__________________
١ ـ تنبيه الخواطر ١ : ١٤٣.
٢ ـ في الأصل : بعيوبها ، وما أثبتناه من تنبيه الخواطر.
٣ ـ تنبيه الخواطر ١ : ١٤٤ ، باختلاف يسير.
٤ ـ تنبيه الخواطر ١ : ١٤٤.