ابن ادم فيها على خطر ، وإن عقل فنظر ، وهو من النعماء على خطر ، ومن البلاء على حذر.
فلو كان الخالق (١) لم يخبر عنها خبرا ، ولم يضرب لها مثلاً ، لكانت الدنيا قد أيقظت النائم ، ونبهت الغافل ، فكيف وقد جاء من الله ـ عز وجل ـ زاجر وفيها واعظ ، ما لها عند الله ـ جل ثناؤه ـ قدر ، وما نظر إليها منذ خلقها ، ولقد عرضت على نبيك صلىاللهعليهوآله بمفاتيحها وخزائنها ـ لا تنقصه عند الله جناح بعوضة ـ فأبى أن يقبلها ، وكره أن يخالف على الله أمره ، أو يحب ما أبغض خالقه ، أويرفع ما وضع ، فزواها عن الصالحين اختياراً ، وبسطها لأعدائه اغتراراً ، فيظن المغرور بها المقتدر عليها أنه اكرم بها ، ونسي ما صنع الله عز وجل بمحمد صلى الله عليه حين شد الحجر على بطنه ، وإن شئت اقتديت بصاحب الروح والكلمة ابن مريم عليهالسلام كان يقول : إدامي الجوع ، وشعاري الخوف ، ولباسي الصوف ، وصلائي (٢) في الشتاء مشارق الأرض ، وسراجي القمر ، ودابتي رجلاي ، وطعامي وفاكهتي ما أنبتت الأرض ، وليس لي زوجة تفتنني ، ولا ولد يحرسني ، وإني لأصبح واُمسي وليس في الأرض أحد أغنى مني (٣).
وقال وهب بن منبه : لما بعث الله موسى وهارون إلى فرعون ، قال لهما : ولا يروعكما بأسه ، فإن ناصيته بيدي ، ولا يعجبكما ما مُتّع به من زهرة الحياة الدنيا وزينة المترفين ، فلو شئت زينتكما بزينة يعرف فرعون حين يراها أن مقدرته تعجز عنها ، لكني أرغب بكما عن ذلك ، فأزوي الدنيا عنكما ، وكذلك أفعل بأوليائي ، أني لأذودهم عن نعيمها كما يذود الراعي غنمه عن مراتع الهلكة ، وإني لأجنبهم سلوكها كما يجنب الراعي الشفيق إبله عن موارد العرة (٤) ، وماذاك لهوانهم عليّ ، ولكن ليستكملوا نصيبهم من كرامتي سالماً موفوراً ، إنما يتزين لي أوليائي بالذل والخشوع ، والخوف الذي يثبت في قلوبهم ، فيظهر على أجسادهم ، فهو شعارهم ودثارهم الذي يستشعرون ، ونجاتهم التى بها
__________________
١ ـ في الأصل زيادة : يحبها.
٢ ـ الصلاء : الإستدفاء ، والمعنى انه يتحرى مشارق الشمس على الأرض يستدفئ بها من البرد ، اُنظر « القاموس المحيط ـ صلي ـ ٤ : ٣٥٢ ».
٣ ـ تنبيه الخواطر ١ : ١٤٢.
٤ ـ العرّ : الجرب « الصحاح ـ عرر ـ ٢ : ٧٤٢ ».