فاحذروا ـ عباد الله ـ الموت وقربه ، وأعدّوا له عدته ، فإنه يأتي بأمر عظيم ، وخطب جليل ، يأتي بخير لا شر بعده أبداً ، وبشر لا خير بعده أبداً ، فمن أقرب من الجنة من عامليها!؟ ومن أقرب من النار من عامليها!؟ وأنتم طرد الموت الذي إن أقمتم له أخذكم ، وإن فررتم منه أدرككم ، وهو ألزم لكم من ظلكم ، الموت معقود بنواصيكم ، والدنيا تطوى من خلفكم ، فاحذروا ناراً قعرها بعيد ، وحرها شديد ، وعذابها جديد ، وحليتها حديد ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرج فيها كربة (١) ، فاتقوا الله ، ولا تسخطوه برضى أحد من خلقه ، فإن في الله خلفاً من خلقه ، وليس في غيره خلف منه.
فانتبه أيها الإنسان لنفسك ، واعلم أنك مسؤول عن ألقليل والكثير ، والنقير والقطمير ، والفتيل والذرة والحرف ، وما تضمر في نفسك ، وزمرات (٢) عينك وخيانتها ، وتمثل في نفسك ـ إن أردت أن يخشع قلبك ، وتقشعر جوارحك ، وتجري دمعتك ـ أهول يوم القيامة ، وكربها وفرقها ، وشدة عظائمها ، وخروجك من قبرك عرياناً حافياً ، شاحباً لونك ، شاخصاً بصرك ، تنظر مرة عن يمينك ، ومرة عن يسارك ، إذ الخلائق كلهم في شأن غير شأنك ، ومعك ملائكة موكّلون بك غلاظ شداد ، منهم سائق وشهيد ، سائق يسوقك إلى محشرك ، وشهيد يشهد عليك ، بعملك ، فحينئذ تنزل الملائكة من أرجاء السماوات ، جسام عظام ، وأشخاص ضخام شداد ، اُمروا أن يأخذوا بنواصي المجرمين إلى موقف العرض ، مهول خلقهم.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « إن لله ملكا ما بين شفري عينيه مسيرة مائة عام ».
وقال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إن لله ملائكة لو أن ملكاً هبط إلى الأرض لم تسعه ، لعظم خلقه ، وكثرة أجنحته ، ومنهم من لو كلفت الجن والأنس أن يصفوه ما قدروا على وصفه ، لبعد ما بين مفاصله ، وحسن تركيب صورته ، وكيف يوصف من ما بين منكبه وشحمة اذنه مسيرة سبعمائة عام!؟ ومنهم من يسد الأفق بجناح من أجنحته دون عظم بدنه
__________________
١ ـ نهج البلاغة ٣ : ٣١ / ٢٧.
٢ ـ كذا في الأصل ، والظاهر أنه تصحيف ، صحته : ورمزات ، والرمز : الإشارة والإيماء بالحاجب.
« الصحاح ـ رمز ـ ٣ : ٨٨٠ ».