لا بمداناة ، لطيف لا بتجسيم ، موجود لا عن عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بفكر ، مدبرلا بعزيمة ، شاءِ لا بهمة ، مدرك لابحاسة ، سميع لابآلة ، بصير لابأداة ، لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمه الأماكن ، ولا تأخذه السِّنات ، ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات.
سبق الأوقات كونُه ، والعدَم وجودُه ، والابتداءَ أزله ، وبمشابهته بين الأشياء عالم أن لا شبه له ، وبمضادّته بين الأضداد علم أن لاضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لاقرين له ، ضاد النور بالظلمة ، والظل بالحرور ، مؤلف بين متدانياتها (١) ، مفرق بين متبايناتها ، بتفريقها دل على مفرقها ، وبتأليفها دل على مؤلفها.
قال سبحانه : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) (٢).
له معنى الربوبية إذ لا مربوب ، وحقيقة الالهية إذ لا مألوه ، ومعنى العالم إذ لامعلوم ، ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا من حيث احدث استفاد معنى المحدث ، لا تنائيه (منذ) ولاتدنيه (قد) ولا تحجبه (لعل) ولا توقته (متى) ولا تشتمله (حين ) ولا تقاربه (مع ) ، كلما في الخلق من اثرغير (٣) موجود به ، وكل ما أمكن فيه ممتنع من صانعه ، لاتجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو اجراه! أويعود فيه ما هو أبداه!؟ إذاً لتفاوتت دلالته ، وامتنع من الأزل معناه ، ولما كان البارىء ، غير المبرأ (٤) ولو وجد له وراء لوجد له أمام ، ولو التمس له التمام لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لايمتنع من الحدث!؟ وكيف ينشىء الأشياء من لايمتنع من الإنشاء!؟ لو تعلقت به المعاني لقامت فيه اية المصنوع ، ولتحول من كونه دالاً إلى كونه مدلولاً عليه ، ليس في محال القول حجة ، ولا في المسألة عنه جواب ، لا إله إلاّ هو العلي العظيم (٥).
__________________
١ ـ في الأصل : متعاقباتها ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
٢ ـ الذاريات ٥١ : ٤٩.
٣ ـ في الأصل : عين ، وما أثبتناه من أمالي المفيد.
٤ ـ في الأصل : المبري ، وما أثبتناه من أمالي الطوسي.
٥ ـ رواه المفيد في أماليه : ٢٥٣ / ٣ ، ٤ والطوسي في أماليه ١ : ٢٢.