النّظر والعبرة وتمييز الحقّ عن الباطل والمبطل من المحقّ ولذلك قال (قَلِيلاً ما) اى شكرا قليلا (تَشْكُرُونَ) فلا تستعملون النّعم في وجهها ، ولمّا كان المقصود انّه لا مانع من قبله في قبولهم الرّسالة أتى بهذه الثّلاث الّتى هي المحتاج إليها في التّدبير والتّميز دون سائر المدارك والقوى (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) اى خلقكم فيها (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يعنى انّه مبدؤكم ومعادكم فلا ينبغي ترك النّظر في نعمه وترك التّدبّر في امره ونهيه (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) اى تعاقبهما أو زيادة كلّ منهما ونقصانه أو اختلاف كلّ مع الآخر بالزّيادة والنّقصان أو في الكيفيّة أو في الاظلام والاضاءة والمراد باللّيل والنّهار صورتهما المشهودة فانّ تعيّش الإنسان وأسباب تعيّشه منوطة بهما ، أو اعمّ منهما كأنّه قال : وهو الّذى يجعل سائر المتضادّات بين العباد كما انّه يحيى ويميت ويوجد هذين المتضادّين بين عباده ، واللّام في مثله يجوز ان يكون هي اللّام الدّاخلة على المبدأ أو الغاية أو المملوك (أَفَلا تَعْقِلُونَ) ذلك فتعلّموا انّ من بيده ذلك كلّه حقيق بان يتضرّع عليه ويسأل منه وينقاد له (بَلْ قالُوا) يعنى انّهم لا يتفكّرون حتّى يعلموا انّ الله هو المبدئ المعيد بل قلّدوا آباءهم الجهلة وأسلافهم الضّالّين فقالوا (مِثْلَ ما قالَ الْأَوَّلُونَ قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) يعنى استغربوا البعث الّذى ينبغي ان يقرّوا به (لَقَدْ وُعِدْنا نَحْنُ وَآباؤُنا هذا مِنْ قَبْلُ) ولو كان حقّا لظهر اثره في تلك المدّة المديدة (إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) الأساطير الأحاديث الّتى لا نظام لها جمع الاسطار والاسطير بكسر الهمزة فيهما والاسطور بضمّها وقد يلحق التّاء بالثّلاثة بمعنى الحديث الّذى لا نظام له ، وامّا الأساطير جمع الاسطار جمع السّطر بمعنى الخطّ والكتابة فغير مناسب (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيها إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعنى انّهم يقرّون انّ الخالق هو الله فذكّرهم الإقرار ثمّ نبّههم على انّ الإبداء أصعب من الاعادة (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) يعنى انّهم يظهرون في جوابك إقرارهم بانّه المبدء فنبّههم بعد ذلك و (قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) انّ الاعادة أسهل من الإبداء (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) يعنى من خالقهما ومدبّر أمورهما مع عظمهما وكثرة ما فيهما من الملائكة والكواكب (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وقرئ : سيقولون الله ، وهو أوفق بالسّؤال (قُلْ) لهم بعد الإقرار بانّ الله خالقهما ومدبّرهما (أَفَلا تَتَّقُونَ) سخطه في مخالفته ومخالفة رسوله (ص) في انكار الاعادة أو مطلقا (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) يعنى من بيده تدبير كلّ شيء والتّصرّف فيه والتّسلّط عليه فانّ الملكوت هو باطن الأشياء المسلّط عليها والمتصرّف فيها باىّ تصرّف شاء (وَهُوَ يُجِيرُ) اى يغيث (وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) يعنى لا أحد يغيث مغضوبه (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وقرئ بدون اللّام (قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) اى كيف يخيّل إليكم الحقّ باطلا مع وضوحه أو كيف تعمون عن صحّة الاعادة مع ظهور الادلّة أو كيف تخدعون (بَلْ) ليس إنكارهم وقولهم ذلك عن خفاء دليل المدّعى ولا عن ظهور دليل الإنكار لكن (أَتَيْناهُمْ بِالْحَقِ) الّذى هو الولاية في مظهر الرّسول (ص) الّذى ليس في وجوده الّا الحقّ والبعث والحشر ، والإقرار بالرّسول ليس الّا من آثار الحقّ (وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) مطلقا ليس في وجودهم جهة صدق حتّى يصحّ تقييد كذبهم بغيرها ومن لم يكن في وجوده جهة حقّ وصدق لا يصدّق الحقّ الّذى اتيناهم به (مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ) جواب سؤال مقدّر كأنّه قيل : قد علم حال منكري البعث فما حال من جعل لله ولدا ومن