الكبير ولو لم يراع الحقوق لفسدت السّماوات والأرض ومن فيهنّ في العالم الصّغير وفسد من في العالم الكبير وفسد سماوات العالم الكبير وأرضه لفساد غايتهما الّتى هي صلاح من فيهما (بَلْ أَتَيْناهُمْ بِذِكْرِهِمْ) يعنى انّ انكار الحقّ الّذى جاء به محمّد (ص) امر عظيم وهؤلاء لخروجهم عن الفطرة الانسانيّة أنكروا إنكارا أعظم منه وهو إنكارهم ذكرهم وشرفهم أو وعظهم ونصحهم وقد آتينا نحن ذلك لهم فهو اضراب من الأدنى الى الأعلى ، والمراد بالذّكر الرّسول أو القرآن أو الشّريعة أو السّلطنة (فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ) الّذى اتيناهم نحن به (مُعْرِضُونَ أَمْ تَسْأَلُهُمْ) يعنى بل ليس المانع شيئا من ذلك ولكن تسألهم (خَرْجاً) فيثقل ذلك الخرج عليهم فينكرون رسالتك لذلك فلا تسألهم ذلك ان كنت تسألهم (فَخَراجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) لك من كلّ خراج فانّ خراجه كلّ ما سواه (وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) قد سبق بيان كونه خير الرّازقين في سورة الحجّ (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) جملة حاليّة يعنى ليس إنكارهم لانّك تدعوهم الى صراط معوجّ فلم يقبله عقولهم كأنّه قال أم تدعوهم الى صراط معوجّ (وَإِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وضع الظّاهر موضع المضمر لتعليل الحكم ، وللاشارة الى ذمّ آخر لهم وهو في معنى لكن الّذين لا يذعنون بالآخرة (عَنِ الصِّراطِ لَناكِبُونَ) اى عادلون ولذلك ينكرون وقد فسّر الصّراط المستقيم في الآية بولاية علىّ (ع) وعدولهم عن الصّراط بعدولهم عن علىّ (ع) أو عن الامام ، وعن أمير المؤمنين (ع) انّ الله تبارك وتعالى لو شاء لعرّف العباد نفسه ولكن جعلنا أبوابه وصراطه وسبيله والوجه الّذى يؤتى منه ، فمن عدل عن ولايتنا أو فضّل علينا غيرنا فانّهم عن الصّراط لناكبون (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا) لداموا على الخصومة (فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) في طغيانهم متعلّق بلجّوا أو بيعمهون اى يتردّدون فانّ العمه بمعنى التّردّد في الضّلال والتّحيّر في الطّريق ، روى انّهم قحطوا حتّى أكلوا العلهر (١) فجاء ابو سفيان الى رسول الله (ص) فقال : أنشدك الله والرّحم الست تزعم انّك بعثت رحمة للعالمين قتلت الاباء بالسّيف والأبناء بالجوع فنزلت (وَلَقَدْ أَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ) يعنى القتل يوم بدر أو الجوع والقتل والخوف (فَمَا اسْتَكانُوا لِرَبِّهِمْ) استكان استفعل من الكون بمعنى الذّلّ ، أو افتعل من السّكون أشبع فتحة الكاف وله النّظير في لغتهم مثل المنتزاح في المنتزح يعنى انّهم ما استكانوا حين الابتلاء (وَما يَتَضَرَّعُونَ) والحال انّ المقصود من إرسال الرّسل وإنزال العذاب تضرّع العباد واستكانتهم لربّهم فكيف يتضرّعون حين رفع العذاب عنهم وقد فسّر الاستكانة بالدّعاء وبالخضوع والتّضرّع بالدّعاء وبرفع اليدين بالدّعاء (حَتَّى إِذا فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً ذا عَذابٍ شَدِيدٍ) يعنى انّ شيمتهم العتوّ في كلّ حال حتّى إذا انفتح عليهم باب من جهنّم أو باب عذاب آخر مثل عذاب فتح مكّة أو باب الى العذاب حين الموت أو حين الرّجعة كما في الخبر (إِذا هُمْ فِيهِ) اى في الباب أو في العذاب (مُبْلِسُونَ) متحيّرون آئسون عن الخير أو مبتلون بالشّرّ (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) التفات من التّكلّم الى الغيبة بالنّسبة الى المتكلّم ، ومن الغيبة الى الخطاب بالنّسبة الى المخاطبين وصرف للخطاب من محمّد (ص) إليهم والجملة حال أو معطوفة والمقصود انّه تعالى لم يمنعهم ما به يتدبّروا القول فلم يكن منه تعالى إهمال لما يحتاجون اليه في تدبير القول لكنّهم لكفرانهم بأنعم الله كفروا بمثل هذه النّعم الّتى هي أصل جميع النّعم ولم يستعملوها لما خلقت لأجله من
__________________
(١) العلهر كزبرج طعام يتّخذ من الدم والوبر كانوا في المجاعة يتّخذونه.