في الدّين والفرح بما لديهم والاعجاب بآرائهم أو من دون ذلك الجهل والغمرة (هُمْ لَها عامِلُونَ) ممّا يكون عبادة للهوى سواء كان بصورة العبادات أو بصورة المعاصي (حَتَّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ) متنعّميهم (بِالْعَذابِ) غاية لعملهم أو لكون قلوبهم في غمرة ، وخصّ المترفين لانّهم كانوا منشأ لكفرهم وكفر غيرهم ، ولانّ المترفين لا يتنبّهون ولا يتضرّعون بمؤاخذة غيرهم ، والمراد بالعذاب عذاب الموت والآخرة ، أو عذاب الدّنيا ، وفسّر بقتلهم يوم بدر وبالأخذ بالجوع حين دعا عليهم رسول الله (ص) فقال : اللهمّ اشدد وطأتك على مضر (١) واجعلها عليهم سنين كسنى يوسف (ع) فابتلاهم بالقحط حتّى أكلوا الجيف والكلاب (إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ) جأر كمنع رفع صوته بالدّعاء وتضرّع واستغاث (لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ) بتقدير القول جواب لسؤال مقدّر (إِنَّكُمْ مِنَّا لا تُنْصَرُونَ) اى لا تنصرون من قبلنا أو لا تنصرون من عذابنا (قَدْ كانَتْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ تَنْكِصُونَ) اى ترجعون والنّكص لا يكون الّا في الرّجوع عن الخير وقد مضى انّ النّاس كلّهم مفطورون على الخير وذاهبون على فطرة الخير ويشبّه الرّاجع عن الدّين والخير ما لم يقطع فطرته بمن يرجع عن المقصد رجوع القهقرى على عقبيه لانّه ببقاء فطرته كان وجهه الى مقصده وان كان يتنزّل عمّا كان فيه من الخيرات الحاصلة له بفطرته أو بكسبه (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ) اى بالبيت أو ببلد مكّة ، وشهرة افتخارهم واستكبارهم بالبلد الحرام والبيت الحرام اغنت عن ذكره سابقا ، أو بالقرآن فانّ تلاوة الآيات تدلّ عليه ، أو بمحمّد (ص) فانّ كونه جاريا على ألسنتهم في محافلهم قرينة له ، ولفظ الباء على الاوّلين للسّببيّة ، أو صلة مستكبرين بتضمين مثل معنى التّكذيب ، ويجوز ان يكون متعلّقا بتهجرون ، والباء للظّرفيّة على ان يكون الضّمير للبيت أو الحرم ، أو للسّببيّة أو للإلصاق على ان يكون الضّمير للقرآن أو لمحمّد (ص) (سامِراً) اسم لجماعة السّامرين اى المتحدّثين باللّيل بما لا فائدة فيه أو اسم لمحلّ السّمر (تَهْجُرُونَ) اى تقطعون عن محمّد (ص) أو تهزأون أو تستهزئون أو تفجشون قرئ بفتح التّاء وضمّ الجيم وبضمّ التّاء وكسر الجيم (أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ) اى الم يكتر ثوابك وبادّعائك الرّسالة فلم يدّبّروا القرآن أو لم يدّبّروا قولك حتّى يعلموا انّه ليس من هوى نفسانىّ وامراض قلبيّة وأغراض دنيويّة (أَمْ جاءَهُمْ ما لَمْ يَأْتِ آباءَهُمُ الْأَوَّلِينَ) من الكتاب والشّريعة والرّسول حتّى كانوا لم يعرفوا ولم يسمعوا بمثله ولذلك ينكرونه (أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ) بالنّسب والحسب وبالصّدق والامانة من اوّل نشوه (فَهُمْ لَهُ) لا للشّريعة والكتاب (مُنْكِرُونَ) لعدم معرفتهم بحاله (أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ) جنون ولذلك ينكرونه (بَلْ) ليس شيء من ذلك فانّ الشّريعة والرّسالة والكتاب كانت سيرة الهيّة جارية من لدن آدم وكان رسولهم معروفا لهم بالحسب والنّسب والصّدق والامانة بحيث لقّبوه محمّدا الأمين وكان فيهم ما لم يدّع الرّسالة اعقلهم ولكن (جاءَهُمْ بِالْحَقِ) الّذى لم يكن سنخا لهم لانّهم كانوا باطلين وسنخا للباطل (وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ) لعدم سنخيّتهم له وعدم موافقته لاهوائهم (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ) الحقّ المطلق هو الله ، والحقّ المضاف مشيّته وهي فعله تعالى ثمّ الولاية ثمّ النّبوّة ثمّ الرّسالة ثمّ كلّ ما كان الحقّيّة فيه غالبة والبطلان مغلوبا (لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) لانّ أهواءهم لا تتجاوز عمّا فيه مشتهى نفوسهم من غير ملاحظة غاية لذلك المشتهى ومن غير ملاحظة حقوق من في عالمهم الصّغير ومن في العالم
__________________
(١) مضر كزفر ابو قبيلة ولقّب بمضر الحمراء لانّه ورث من أبيه الذّهب ، أو لأنّهم كانوا رفعوا في الحرب راية حمراء.