بعد خبر أو خبرا ابتداء أو خبرا لمبتدء محذوف ، أو مبتدء لخبر محذوف ، ويكون الجملة حينئذ مستأنفة جوابا لسؤال مقدّر كأنّه قيل : ما هذه النّعمة الّتى أنكرتها؟ ـ أو اىّ شيء يمنّ بها عليك حتّى أنكرته عليه؟ ـ فقال : هي ان عبّدت بنى إسرائيل أو ان عبّدت بنى إسرائيل تمنّه علىّ سواء كانت في معنى الاستدراك وفي معنى لكن هي ان عبّدت بنى إسرائيل أو لم تكن (قالَ فِرْعَوْنُ) بعد ما سمع جوابه عن ايراداته للمجادلة معه بالسّؤال عن أجزاء ادّعائه حتّى يعجزه عن بيان قوله وادّعائه (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) الّذى ادّعيت الرّسالة منه ، سأله بما هو عن حدّه وحقيقته ولمّا لم يكن لله تعالى مهيّة مركّبة حتّى يكون له جنس وفصل عدل موسى (ع) عن جواب ما هو الى الجواب بالاعراض الّذى هو جواب لايّ شيء هو و (قالَ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا) بدّل الإجمال الّذى في العالمين بالتّفصيل (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) من أهل الإيقان شرط للتّهييج والتّعيير يعنى أنتم أهل النّفوس الظّانة والشّاكة ولستم أهل العقول الموقنة (قالَ) فرعون بعد ما رأى عدم مطابقة الجواب للسّؤال تزييفا لرأى موسى (ع) وتسفيها لعقله (لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) قوله حيث لا يعلم طريقة المحاجّة ويدّعى دعوى عظيمة ويريد التّفوّق والرّياسة على أهل العالم ، ولمّا رأى موسى (ع) استهزاءه به وبجوابه واحتمل ان ينكر مخلوقيّة السّماوات والأرض ومربوبيّتهما ويقول انّهما قديمان غنيّان عدل عنه و (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) ولمّا رأى فرعون إصراره على جواب ما هو بالاعراض الاضافيّة الّتى هي أضعف الاعراض (قالَ) خطابا لقومه مستهزئا بموسى (ع) (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) لانّه لا يتنبّه بالتّنبيه ولا يرتدع عن غيّه بالرّدع ويصرّ على جهله (قالَ) مصرّا على ما أجاب به معرّضا بعدم تنبّههم بالتّنبيه (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) صرّح بسفاهتهم بعد ما صرّح فرعون بجنونه ومقصوده انّ الله الّذى تسأل عنه بما هو لا حدّ له حتّى يجاب بما يطابق السّؤال بل لا يمكن تعريفه الّا بإضافاته الّتى هي مدركة لنا ، وإصراركم على مطالبة جواب ما هو لعدم تعقّلكم من الله ما يليق بجنابه ، ولمّا رأى فرعون إصراره على جوابه الغير المطابق وعدم ارتداعه بالكناية والتّصريح (قالَ) تهديدا له (لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) قيل هدّده بأسوء العقوبة لانّه كان له هوّة عميقة لا يسجن فيها أحد الّا يموت فيها ، ولمّا رأى موسى (ع) تهديده (قالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) دالّ على صدقى في دعواي وتوسّل بأمارات صدق دعواه (قالَ) فرعون (فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) ولمّا كان السّحر شائعا في زمانه وكان يظهر من السّحرة أمثال هذه كثيرا (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ولمّا لم يكن السّحر شينا وعيبا في زمانه لم يكتف به وقال (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) حتّى ينزجروا منه ولا يرغبوا فيه وبعد ما أظهر ما ينزجرون منه قال (فَما ذا تَأْمُرُونَ) شاورهم في امره استمالة لقلوبهم (قالُوا أَرْجِهْ) قد مضى في سورة الأعراف وجوه القراءة في أرجه (وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كانُوا هُمُ الْغالِبِينَ فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالُوا لِفِرْعَوْنَ أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ قالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ