الحقّ الّذى نستحقّ به الثّواب لا العقاب (فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ) وجه الإتيان بالفاء عقيب التّكذيب قد مرّ في السّابق (إِنَّ فِي ذلِكَ) المذكور من قصّة هود وقومه أو من إهلاك قوم هود الّذى تظافر به الاخبار (لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ) بعد ما اقام على صدق دعواه بيّنة ممّا يعرفونه ونفى الطّمع الّذى هو مورث للاتّهام عن نفسه هدّدهم بالموت والخروج من المنازل والدّنيا (فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُها هَضِيمٌ) اى النّضيج أو الرّطب اللّين أو النّضيد أو سريع التّفتّت وقيل هو الّذى ليس فيه نوى (وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ) حاذقين في النّحت أو بطرين (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ) المتجاوزين للحدّ في المشتهيات أو في الغضبات (الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ ما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا فَأْتِ بِآيَةٍ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ هذِهِ ناقَةٌ لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فَعَقَرُوها فَأَصْبَحُوا نادِمِينَ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) قد مضى حكاية نوح وهود وصالح (ع) في سورة الأعراف وفي سورة هود (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ) اخوّة المعاشرة لا اخوّة القبيلة أو الدّين (لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَتَأْتُونَ الذُّكْرانَ مِنَ الْعالَمِينَ وَتَذَرُونَ ما خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ) لستم واقفين على هذا القدر من الظّلم لانّكم (قَوْمٌ عادُونَ) في جملة أموركم ، والعادون من عدى بمعنى ظلم أو سرق أو صرف أو وثب أو جاوز أو من العدوّ ضدّ الصّديق ، أو من عدى كعلم بمعنى أبغض.
اعلم ، انّ التّكاليف الاختياريّة النّبويّة أو الولويّة مطابقة للتّكاليف التّكوينيّة الالهيّة ، والله تعالى كلّف جنس الحيوان في أكثر أنواعه بالاجتماع بان ركّب الشّهوة فيها وجعل فيها ذكرا وأنثى وجعل نفوسهما بحيث لا يصبر كلّ عن الآخر باقتضاء شهوة الوقاع الّتى جعلها فيه ، ولم يكن المقصود من خلق الشّهوة الّا بقاء النّوع فانّه لو لم يكن شهوة لم يكن وقاع بين سائر أنواع الحيوان ، وامّا الإنسان وان كان يمكن الوقاع بمحض التّكليف الاختيارىّ النّبوىّ لكن قلّما يقع ذلك فانّ أكثر النّفوس لا تعتدّ بالأوامر التّكليفيّة ولو لم يكن الأوامر التّكوينيّة لم يكونوا يواقعون بمحض الأمر التّكليفىّ وفي ذلك فناء النّوع أو تقليله ، ولقصد التّناسل جعل تعالى آلة قضاء الشّهوة في الذّكر والأنثى بحيث يستقرّ مادّة الإنسان الّتى هي النّطفة في مقرّ مخصوص وجعل الذّكر والأنثى بحيث كانا عاشقين للولد ومربّيين له كالجزء منهما ، وغير الإنسان من الحيوان لمّا لم يكن له الشّيطنة لا يرغب في ثقب ليس له ان يطأ فيه فلا يخالف الأمر التّكوينىّ وليس له امر تكليفىّ ، وامّا الإنسان فيتدبّر بالقوّة المتخيّلة ووسوسة الشّيطان ويتصرّف في امر قضاء الشّهوة وقد يخالف بتدبيره وشيطنته الأمر التّكوينىّ والأمر التّكليفىّ ، وما لم يخذله الله يعاقبه في الدّنيا ويؤاخذه على مخالقة