الأمر التّكوينىّ وجعل له عقوبة وحدّا على مخالفة الأمر التّكليفىّ ، ولمّا كان في الخروج عن الأمر التّكليفىّ في هذا المورد إفساد كلّىّ في الأرض بقطع النّسل وجعل المرء على طبيعة المرأة وجعل النّفس خارجا من الحياء وأخسّ من نفس الحيوان في القوّة الحيوانيّة جعل الله عقوبة من أتى الذّكران اشدّ من جميع العقوبات (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا لُوطُ) عمّا تنهى عنه (لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ) من قرينا (قالَ) لهم (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ) لا لأنفسكم فانّكم صنائع ربّى ولا أقدر أن أقليكم ولكن عملكم لكونه مخالفا لأمره التّكوينىّ والتّكليفىّ كان مغضوبا لي تخرجوننى من قريتكم أو لم تخرجونى ثمّ انصرف عنهم والتجأ الى الله فقال (رَبِّ نَجِّنِي وَأَهْلِي مِمَّا يَعْمَلُونَ فَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلَّا عَجُوزاً) من اهله وهي امرأة لوط (فِي الْغابِرِينَ) في الباقين الماكثين في القرى على ما قيل انّها لم تخرج مع لوط ، أو في الغابرين في العذاب على ما قيل انّها خرجت وأصابها في الطّريق حجر فأهلكها (ثُمَّ دَمَّرْنَا) اى أهلكنا (الْآخَرِينَ) بالخسف أو بايتفاك القرى وانقلابها ثمّ أمطرنا على من كان غائبا من القرى الحجارة من السّماء أو أمطر عليهم الحجارة ثمّ انقلب قراهم بهم (وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً) عجيبا وهو امطار الحجر (فَساءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ) الأيك الشّجر الملتفّ الكثير أو الجماعة من كلّ شجر حتّى من النّخل والواحدة الايكة أو الاجمة الكثير الشّجر والمراد بأصحاب الايكة أهل مدين أو جماعة كانوا بقرية قرب مدين ولم يكونوا من قبيلة شعيب (ع) بعث شعيب عليهم كما بعث على أهل مدين ، ولانّهم لم يكونوا من قبيلته قال تعالى (إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) ولم يقل أخوهم شعيب (أَلا تَتَّقُونَ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) اى من جملة من شيمته التّطفيف في الكيل والميزان (وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ) اى لا تنقصوا من النّاس (أَشْياءَهُمْ) أو لا تظلموا النّاس في أشياءهم وعلى الاوّل يكون بيانا لمفهوم مخالفة أوفوا وزنوا ، وعلى الثّانى يكون اعمّ لانّ ظلم النّاس في الأشياء اعمّ من ان ينقصوا فيما يعطونهم أو يزيدوا فيما يأخذون منهم (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) تعميم بعد تخصيص (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ) بمعنى المسحورين المصابين بالسّحر حتّى فسد عقولهم ولا يدرون ما يقولون ، والتّضعيف للمبالغة أو من المجوّفين الّذين لهم سحر اى رية ويحتاجون الى الاكل والشّرب والتّرويح بالهواء أو من المتباعدين من الانسانيّة (وَما أَنْتَ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ) اى انّه نظنّك (لَمِنَ الْكاذِبِينَ فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً) جمع الكسفة كالكسف بالكسر والفتح (مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ) بعد ما لم ينجع فيهم المحاجّة (رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ) فان رآكم مستحقّين للعذاب وإسقاط السّماء عليكم فعل بكم ، وان رآكم مستحقّين للتّوبة ومستعدّين لرحمته وفّقكم (فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ) اى يوم السّحابة الّتى اظلّتهم فانّه كما نقل أصابهم حرّ شديد سبعة ايّام وحبس عنهم الرّيح ثمّ غشيتهم سحابة فلمّا غشيتهم خرجوا إليها طلبا للبرد من شدّة الحرّ فأمطرت عليهم نارا فأحرقتهم وكان من أعظم الايّام والوقائع ولذلك قال تعالى (إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ