وكان خازنا لفرعون وكان اسمه حزقيل ، وقيل : شمعون وقيل : سمعان (قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) يتشاورون في أخذك وقتلك (لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ) من ارض مصر (إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقاءَ مَدْيَنَ قالَ عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) في ديني ودنياي ، ومدين لم يكن في سلطان فرعون وسمّى باسم مدين بن إبراهيم ، قيل : كان بينه وبين مدين مسيرة ثلاثة ايّام ، وقيل : مسيرة ثمانية ايّام ولم يكن موسى (ع) يعرف الطّريق ولذلك قال : (عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ) ولعلّه كان طالبا لشعيب (ع) وأراد مدين لملاقاة شعيب ، وقيل : انّه لم يقصد موضعا بعينه لكنّه وقع على طريق مدين ، وقيل : دلّه ملك على طريق مدين (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ) وهو بئر كانت لهم (وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) لمواشيهم من البئر (وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ) تمنعان غنمهما عن الماء (قالَ ما خَطْبُكُما) ما شأنكما تذودان اغنامكما عن الورد (قالَتا لا نَسْقِي) أغنامنا عند مزاحمة النّاس (حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ) قرئ من باب الأفعال ومن الثّلاثىّ المجرّد وننتظر فضول الماء فنسقى به ولا نقدر نحن على السّقى من البئر (وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ) لا يقدر على ان يتولّى السّقى بنفسه (فَسَقى) اغنامهما (لَهُما) قيل : رفع حجرا كان على بئر كان لا يقدر على رفع ذلك الحجر عنها الّا عشرة رجال وسألهم ان يعطوه دلوا فناولوه دلوا وقالوا له : انزح ان أمكنك وكان لا ينزحها الّا عشرة فنزحها وحده وسقى لهما بدلو واحدة وكان لم يأكل منذ ثلاثة ايّام (ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِ) وهو جائع (فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) هو الجوع الّذى به يطلب الإنسان الغذاء وبالغذاء يكون بقاؤه وتعيّشه ولولا الجوع لا يطلب الغذاء فلا يتيسّر له التّعيّش والعبادة ويكون مريضا محتاجا الى المعالجة (فَقِيرٌ) اى محتاج الى الغذاء ، قيل : سأل نبىّ الله (ع) فلق خبز يقيم به صلبه ، وعن علىّ (ع) : ما سأله الّا خبزا يأكله لانّه كان يأكل بقلة الأرض لقد كانت خضرة البقل ترى من شفيف صفاق بطنه لهزاله وتشذّب لحمه فأجابه الله حيث سأل شعيب (ع) عن بنتيه بعد عودهما سبب سرعة عودهما فقصّتا له القصّة فقال لإحداهما : ادعيه فذهبت اليه كما قال تعالى (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ) بحيث لا يمكنه الكلام ولا المشي على ما ينبغي بين يدي الرّجال (قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا) فلمّا قالت أجر ما سقيت لنا كره ذلك موسى (ع) وأراد ان لا يتبعها ولكن لم يجد بدّا من متابعتها لجوعه وخوفه فخرج معها وكانت الرّيح تضرب ثوبها فتبين لموسى (ع) عجزها ، فجعل يعرض عنها مرّة ويعضّ مرّة فناداها يا أمة الله كوني خلفي وأريني الطّريق بحصاة فانا من قوم لا ينظرون من ادبار النّساء فلمّا دخل على شعيب (ع) إذا هو بالعشاء مهيّأ ، فقال له شعيب : اجلس يا شابّ فتعشّ فقال له موسى (ع) : أعوذ بالله ، قال شعيب (ع) : ولم ذاك الست بجائع؟ ـ قال : بلى ولكن أخاف ان يكون هذا عوضا لما سقيت لهما وانا من أهل بيت لا نبيع شيئا من عمل الآخرة بملإ الأرض ذهبا فقال له شعيب (ع) : لا والله يا شابّ ولكنّها عادتي وعادة آبائي نقرى الضّيف ونطعم الطّعام ، فجعل يأكل ثمّ قصّ قصّته كما قال تعالى (فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ) شعيب (لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) لانّ أرضنا ليست في مملكته (قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ) لرعى الغنم (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ) هذا (الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) أتى باسم الظّاهر مقام الضّمير للدّلالة على وصفيه اللّذين هما سبب استيجاره قال شعيب (ع) امّا قوّته فقد عرفته برفع الحجر الّذى لا يرفعه الّا عشرة وباستقاء الدّلو الّتى لا يستقيها الّا عشرة فمن اين عرفت أمانته؟ ـ قالت :