هُدىً) ما يهتدى به من طريق أو اثر معمورة أو إنسان يدلّنى على الطّريق وكان موسى (ع) غيورا لا يمشى مع الرّفقة لئلّا يرى زوجته الاجنبىّ فلمّا دهمه ظلمة اللّيل وتفرّق ماشيته وأصابهم برد شديد وابتليت زوجته بمرض الطّلق وأراد ان يوقد النّار ولم ينقدح زنده واضطرب اضطرابا شديدا ورأى نارا استأنس بها وقال لأهله تسلية لها انّى آنست نارا وترك الماشية واهله وذهب الى النّار (فَلَمَّا أَتاها) متعلّقا قلبه بأهله وماشيته لانّه تركها بحال لا يجوّز العقل تركها بتلك الحال (نُودِيَ يا مُوسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) قرئ بفتح همزة انّى وكسرها (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) الوادي المفرج بين الجبال والتّلال والآكام وطوى قرئ منصرفا وغير منصرف باعتبار كونه علما للوادي وعلما للبقعة وسمّى مقدّسا لانّه بورك فيه بسعة الرّزق والخصب كما قيل ، أو لانّه كان مطهّرا من عصيان بنى آدم ، أو لانّه قدّست فيه الأرواح واصطفيت فيه الملائكة وكلّم الله موسى تكليما كما في الخبر ، وسمّى طوى لانّه كان مطويّا فيه العلوم ، أو الملائكة والبشر ، أو الخير والبركة ، أو عالم الطّبع والكثرات ، أو الخلق والحقّ وامره بخلع نعليه لانّ الحفاء أقرب الى التّواضع ، ولان يلاصق قدمه الوادي فتتبرّك به ولانّ النّعلين كانتا كناية عن الأهل ، أو عن الأهل والمال كما يعبّر ان في الرّؤيا بالمنكوحة ، أو لانّهما كانتا كناية عن خوف ضياع ماله واهله ، أو عن خوف ضياع اهله وخوف فرعون فأمره بخلع حبّ الغير أو خوف الغير من قلبه ، وما نقل من طرق العامّة من انّهما كانتا من إهاب الميتة فأمره الله بخلعها ، ورد صريحا تكذيبه من طريقنا.
اعلم ، انّ الإنسان من اوّل طفوليّته مبتلى بمشتهياته الحيوانيّة ومقتضياته النّفسانيّة فهو بعد البلوغ امّا يقف عليها ولا يعرف من الدّين والملّة سوى ما اخذه واعتاده من الآباء والإقران ، أو يظهر في وجوده زاجرا لهىّ فيزجره عن الوقوف على الحيوانيّة وهو امّا يقف على هذه الحالة ويتحيّر في امره حتّى يدركه الموت وهو حال أغلب النّاس أو يصل بهيجانه وانزجاره الى زاجر إلهيّ ظاهرىّ من نبىّ أو خليفته ويسلّم نفسه له ويقبل منه الأحكام القالبيّة الظّاهرة في اىّ دين وملّة كان ، وهو امّا يقف عن طلبه ويكتفى بالاتّصال بالزّاجر الإلهيّ وظواهر الأحكام القالبيّة وهو حال أغلب الملّيّين ، أو يتهيّج لطلب بواطن الأحكام القالبيّة ويطلبها ، وهو امّا يقف ويتحيّر حتّى يدركه الموت ، أو يصل الى من يدلّه على طريق معرفة بواطن الأحكام ، وهذا امّا يكتفى بالوصلة البشريّة والبيعة الولويّة ، أو يزداد بذلك شوقه الى معرفة البواطن وشهود الغيب ، وذلك امّا يقف على هذه الحال حتّى يدركه الموت أو تدركه العناية الإلهيّة وتوصله الى مقام من النّفس يرى فيه مظاهر الله ويسمع صوت الله من مظاهره وهذا اوّل مقام الاطّلاع على الغيب والالتذاذ ببواطن الشّرع ، وهذا اوّل مقام يصلح العبد لان يرجعه الله الى الخلق للدّعوة والتّكميل فانّ دعوته هناك تكون على بصيرة ويصير العبد من اتباع محمّد (ص) الّذين أشار إليهم بقوله تعالى : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) ، سواء كان من أمّة محمّد (ص) أو من الأمم الماضية ، ولمّا كان الإنسان مفطور التّعلّق بالكثرات ولا يبلغ الى هذا المقام الّا من طرح الكثرات وأزال الانانيّات كان الله تعالى إذا أراد ان يبلغ عبده الى هذا المقام ابتلاه بالبلايا الواردة النّفسيّة والبدنيّة والحقّيّة والخلقيّة حتّى ينزجر غاية الزّجرة ويستوحش غاية الوحشة وينصرف من الكثرة الى الوحدة ولذلك يظهر قبل ظهور صاحب الأمر الدّجّال والسّفيانىّ ، وقبل خراب الدّنيا يأجوج ومأجوج ، ولمّا أراد الله تعالى ان يبلّغ موسى (ع) الى هذا المقام وكان شديد الاهتمام بالكثرات وحقوقها سلّط عليه البرد وظلمة اللّيل وتفرّق الماشية ومخاض المرأة وعدم انقداح الزّندة وضلال الطّريق حتّى دهش غاية الدّهشة واستوحش غاية الوحشة ، ثمّ أراه نوره بصورة النّار وبلّغه الى ذلك الوادي وذلك الوادي واقع بين جبلي