انانيّة الله وانانيّة العبد ومطوىّ فيه الخيرات والبركات ومجتمع للملك والبشر والخلق والحقّ ، ومطوىّ فيه انموذجات العلوم كلّها والآيات جلّها ، وهذا هو طور النّفس ومرتفعها وفناء دار التّوحيد فانّ الطّور اسم للجبل ولفناء الدّار كما انّه علم لجبل قرب ايلة يضاف الى سينا وسينين وعلم جبل بالشّام ، وقيل : هو يضاف الى سينا وسينين ، وعلم جبل بالقدس عن يمين المسجد ، وآخر عن قبلته به قبر هارون ، وجبل برأس العين ، وجبل مشرف على الطّبريّة وعلم كورة بمصر ، وعلم بلد بنواحي نصيبين (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) يعنى للرّسالة والوحي ، وقرئ انّا اخترناك بفتح الهمزة وتشديد نون انا ، واخترنا بصيغة المتكلّم مع الغير (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) للوحى أو للّذى يوحى إليك (إِنَّنِي أَنَا اللهُ) بيان لما يوحى (لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) لمّا كان أساس الرّسالة وأصل الأصول والفروع في الدّين هو التّوحيد كان الله تعالى يوحى بتوحيده الآلهة والعبادة اوّل ما يوحى (فَاعْبُدْنِي) اى صر عبدا لي بخروجك من رقّيّتك لنفسك وللشّيطان ومن شراكة نفسك والشّيطان لله في عبديّتك أو اعمل لي عمل العبيد (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) اى لان أذكرك ولا شرف أشرف منه يعنى انّ الصّلوة ذكرك لي وذكرك لي مستعقب لذكرى لك ، أو لان تذكرني أو لمحض ان تذكرني من غير شوب غرض آخر فيها ، أو المعنى أقم الصّلوة لحصول ذكرى بمعنى انّك كلّما تذكّرتنى فتوجّه توجّها تامّا حتّى تقيم الصّلوة ولا تكن كمن يذكرني ذكرا ناقصا من غير توجّه والتفات ، أو بمعنى انّك كلّما ذكرت الصّلوة المنسيّة بان ذكرتني وذكرت أمري وتذكّرت نيسان الصّلوة المنسيّة فأقمها ، أو بمعنى انّى ذاكر لك بالذّكر العامّ مداما ويقتضي ذلك ان تكون متوجّها الىّ توجّها تامّا وقد سبق في اوّل البقرة معاني الصّلوة ، وتحقيق إقامتها ، وانّ اقامة الصّلوة عبارة عن إيصال الصّلوة القالبيّة بالصّلوة الذّكريّة القلبيّة وإيصال الصّلوة الذّكريّة بالصّلوة الفكريّة الصّدريّة ، وإيصال الصّلوة الفكريّة بالصّلوة القلبيّة الحقيقيّة ، وإيصال الصّلوة القلبيّة بالصّلوة الرّوحيّة.
واعلم ، انّ الذّكر كما سبق بيانه في سورة البقرة عند قوله تعالى (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ) له مراتب ودرجات وانّ الذّكر الحقيقىّ وحقيقة الذّكر هو خليفة الله في الأرض ، فانّه وان كان بحسب ملكه مختفيا كونه ذكر الله لكنّه بملكوته ذكر جلىّ لله بحيث يلتبس على غير ذي البصيرة التّامّة انّه هو الله لظهور المحكىّ به بحيث يختفى البينونة ويغلب حكم الظّاهر على المظهر ، وانّ المقصود من الاذكار والأعمال الّتى يقرّرها صاحب هذا الأمر على السّالك هو حصول هذا الذّكر فانّه غاية الغايات ونهاية النّهايات ، فالمعنى على هذا أقم الصّلوة وأوصل مراتبها كلّا بالأخرى لتحصيل هذا الذّكر أو لحصوله يعنى ان لم يكن هذا الذّكر حاصلا لك فأقم الصّلوة ليحصل لك لانّه هو البغية العظمى والغنية القصوى ، وان كان هذا الذّكر حاصلا لك فأقم الصّلوة شكرا لهذه النّعمة واستتماما لتلك البركة (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) تعليل لقوله : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) فانّ السّاعة فسّرت في الاخبار بساعة ظهور القائم (ع) ، وبساعة الموت ، وبالقيامة ، وهذه الثّلاث في العالم الصّغير متّحدة فانّ ظهور الامام (ع) بملكوته لا يكون الّا عند الموت الاختيارىّ كما انّه لا يكون الموت الاختيارىّ الّا عند ظهور الامام (ع) وعند الموت يكون القيامة الصّغرى ، وكما يكون ظهور الامام (ع) في الموت الاختيارىّ يكون في الموت الاضطرارىّ أيضا كما في الاخبار فعلى هذا كان المعنى أقم الصّلوة منتظرا لظهور الامام (ع) بملكوته لانّ ساعة ظهوره آتية لا محالة فانتظرها (أَكادُ أُخْفِيها) قرئ بضمّ الهمزة من الإخفاء بمعنى جعل الشّيء خفيّا ، أو بمعنى سلب الخفاء عن الشّيء ، وقرئ بفتح الهمزة من خفاه بمعنى أظهره ، ولكن في الاخبار اشارة الى معنى السّتر ، ولمّا كان ظهور السّاعة من الأمور الخفيّة الّتى لا يطّلع عليها النّفوس الضّعيفة بل الكاملة الّا صاحب الولاية المطلقة الّذى يطّلع على دقائق الأمور وخفيّاتها ولذلك قال علىّ (ع) :