اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ) قيل : كان الكفّار يقولون للمؤمنين : كونوا معنا فانّ الّذى تخافون أنتم منه ليس بشيء فان كان حقّا نتحمّل نحن ذنوبكم فيعذّبهم الله عزوجل مرّتين مرّة بذنوبهم ومرّة بذنوب غيرهم (وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ) أثقال ذنوبهم (وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) من غير ان ينقص من أثقال المفترين شيء (وَلَيُسْئَلُنَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ) اى ليؤاخذنّ فانّ السّؤال كثيرا ما يستعمل في المؤاخذة والعقوبة (عَمَّا كانُوا) عن كونهم أو عن الّذى كانوا أو عن شيء كانوا (يَفْتَرُونَ) من الشّركاء في الوجوب أو في العبادة أو في الطّاعة أو في الولاية أو من الأقوال والأفعال الّتى يفترونها على الله (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ) لمّا ذكر حال المؤمنين والمنافقين والكافرين بنحو كلّىّ أراد ان يبيّن حالهم بامثلة جزئيّة وبدأ بنوح (ع) والمؤمنين به والكافرين به لانّه اوّل نبىّ كان حكاية رسالته وانكار قومه وهلاكهم معروفة عندهم (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) عن الباقر (ع) انّه كان يدعوهم سرّا وعلانية فلمّا أبوا وعتوا قال : ربّ انّى مغلوب فانتصر (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ فَأَنْجَيْناهُ وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) اى الّذين آمنوا معه ، أو دخلوا في الفلك معه (وَجَعَلْناها آيَةً لِلْعالَمِينَ) اى جعلنا السّفينة من حيث صنعها من غير بحر وماء ومن حيث انجائها وإنجاء أهلها آية للعالمين بحيث بقي آثارها في الأفواه والاخبار وانتشرت في العالم (وَإِبْراهِيمَ) عطف على نوحا أو بتقدير اذكر أو ذكّرهم (إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ) من تقليد الآباء وأخذ الدّين بالرّسم والعادة وعبادة الأصنام من غير حجّة ، وخير امّا خال من معنى التّفضيل أو الإتيان بصيغة التّفضيل لاعتقادهم بانّ ذلك خير (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ) من عند أنفسكم من دون برهان (إِفْكاً) اى كذبا في ادّعاء انّها الهة أو معبودات أو شفعاء وهذا ابتداء كلام من الله أو هو من قول إبراهيم (ع) (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) فاذا كانوا لا يملكون لكم رزقا (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) لانّه هو الّذى يملك رزق كلّ مرزوق ، وهذا أيضا يحتمل كونه من قول إبراهيم (ع) ومن قول الله تعالى (وَاعْبُدُوهُ) لاستحقاقه بمالكيّة الرّزق (وَاشْكُرُوا لَهُ) لانّه المالك للنّعم كلّها ومعطيها (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) تعليل لسابقه (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) يجوز فيه الوجهان أيضا ، ويجوز ان يكون هذا ابتداء كلام وخطاب من الله تعالى لامّة محمّد (ص) ومعترضة بين حكايات قول إبراهيم (ع) يعنى ان تكذّبوا فلا غرو فيه فانّ هذا ديدن اسناخكم من القديم (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) اى تبليغ رسالته (الْمُبِينُ) وليس عليه حفظكم من التّكذيب وسائر المعاصي (أَوَلَمْ يَرَوْا) قرئ بالغيبة على تقدير القول أو على كونه ابتداء كلام من الله معترض بين الحكاية ، وقرئ بالخطاب على انّه من الحكاية وموافق لسابقه أو على انّه ابتداء كلام من الله معترض (كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يعنى كيف يبدأ الله الخلق من العناصر أو من عالم الأرواح ثمّ يعيده الى العناصر أو ثمّ يعيده اليه ورؤيتهم لذلك برؤية انّهم لم يكونوا في اوّل خلقتهم على شيء من صفات الاخرويّين ويتدرّجون في صفات الكمال ويستكملون بصفات الرّوحانيّين ، أو المعنى على التّوبيخ يعنى ينبغي لهم ان يستكملوا نفوسهم حتّى يشاهدوا اعادة الله ايّاهم (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ قُلْ) خطاب لإبراهيم أو ابتداء كلام خطاب لمحمّد (ص) (سِيرُوا فِي الْأَرْضِ) ارض الطّبع ،