أَلْسِنَتِكُمْ) يعنى اختلاف لغاتكم فانّه يعبّر كثيرا في العرب والعجم من اللّغات والكلمات الجارية على الألسن بالألسن أو اختلاف ألسنتكم في كيفيّة التّأدية مع انّكم من نوع واحد (وَ) اختلاف (أَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ) دالّات على علمه وحكمته تعالى وكمال عنايته بخلقه وقدرته وإرادته وسلطنته ووحدته ، أو دالّات على أحوال صاحب الألسن والألوان كما في الخبر (لِلْعالِمِينَ) قرئ بفتح اللّام وعليها فليخصّص بالّذين حصل لهم العلم فانّ العالمين بفتح اللّام مخصوص بذوي العقول بخلاف العالم الّذى هو مفرده فانّه اعمّ من ذوي العقول وغيرهم ، وذووا العقول في الحقيقة هم الّذين حصل لهم الشّعور الانسانىّ وليسوا الّا الّذين قذف الله في قلوبهم نور العلم ، وقرئ بكسر اللّام وهم الّذين قذف الله في قلوبهم نور العلم لا الّذين حصّلوا الصّور الادراكيّة من أمثالهم ومن الدّفاتر ، وقدّم هذا الصّنف على المستمعين باعتبار اولى مراتب العلم فانّ المستمع هو الّذى حصل له مرتبة السّماع الّذى هو ثانية مراتب العلم كما في الخبر النّبوىّ (ص) ولم يقل لقوم يعلمون كسابقه ولاحقه اشعارا بانّ حصول العلم خصوصا مرتبته الاولى تلوينا لا يكفى في ادراك تلك الآيات وروى عن الصّادق (ع) انّ الامام إذا ابصر الرّجل عرفه وعرف لونه وان سمع كلامه من خلف حائط عرفه وعرف ما هو ، انّ الله يقول : (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (الآية) قال وهم العلماء فليس يسمع شيئا من الأمر ينطق به الّا عرفه ناج أو هالك فلذلك يجيبهم بالّذى يجيبهم ، وهذا الخبر بيان لأحد وجوه الآية واعتبر (ع) آخر مراتب العلم ، وقرأ (ع) العالمين بكسر اللّام أو حمله على معنى يوافق كسر اللّام وجعل دلالة الآيات على أحوال صاحب الألسن والألوان وعلى هذا فليكن المراد بالسّماوات والأرض سماوات الأرواح وارض الأشباح في العالم الصّغير لتكون فيها آيات دالّات على أحوال صاحب السّماوات والأرض (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) فائدة التّقييد بهما مع انّه لا يكون منام في غيرهما اطلاق المنام عن التّقييد فانّه لو لم يذكرهما عقيب المنام لتوهّم انّ المراد هو المنام باللّيل لكونه معدّا للمنام دون اليوم ولذلك لم يقيّد الابتغاء بهما ففي المنام المطلق آيات دالّات على حكمة الحقّ تعالى وإتقان صنعه وكيفيّة خروج النّفس من البدن بالموت ، ودالّات على عالم آخر سوى عالم الكون والفساد ، وبقاء ذلك العالم واحاطته بعالم الطّبع وكون صور جميع الأشياء ثابتة فيه وكيفيّة احاطة الحقّ تعالى بجملة الموجودات (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) يعنى فيهما فانّ في ابتغاء الفضل الّذى فيه كمال النّفس بحسب ظنّها سواء كان المراد بالفضل السّعة وسائر ما يحتاج الإنسان اليه في الدّنيا أو كمالات الإنسان وسعة النّفس بحسب أمور الآخرة آيات دالّات على مبدء ذي كمال وسعة وفضل فانّه لو لا مبدء الكمال والفضل لم يطلب الإنسان شيئا منه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) الّذين هم صاحبوا المرتبة الثّانية من العلم وهي مرتبة الاستماع والتّقليد واليه أشار تعالى بقوله : (أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)(وَمِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ) كان الموافق للسّابق واللّاحق ان يقول : ومن آياته ان يريكم البرق لكنّه لمّا لم يرد ان يقول اراءة البرق من آياته عدل عنه ، والظّرف لغو متعلّق بيريكم ، امّا جعل يريكم بتقدير ان أو واقعا موقع المصدر فيذهب بنكتة العدول عن صريح ان أو المصدر فانّه لمّا أراد ان يبيّن انّ تلك الآيات آيات لمن صار علمه تحقيقيّا ولذلك قال : يريكم وانّ البرق المشهود انّما ينشأ من الآيات الغيبيّة الّتى يكون صاحب التّحقيق منتظرا لها دائما قال : من آياته يريكم دون ان يريكم (خَوْفاً) اراءة خوف أو هو بتقدير اللّام وليس مفعولا له أو هو حال عن المفعول (وَطَمَعاً) والمقصود الخوف من الصّاعقة والطّمع في الغيث (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ ماءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) يحقّقون في العلم بالخروج من حدّ التّقليد فانّ التّعقّل عبارة عن ادراك الشّيء بالعقل لا بمحض التّقليد وهم الّذين يكون لهم قلب المشار إليهم بقوله : لمن كان له قلب وهذا مقام التّحقيق في العلم