لم يرد بكونه وزيرا محض المعاونة في الأمر بل أراد ان يكون شريكه في الرّسالة أيضا حتّى يكون اهتمامه بالأمر مثل اهتمام موسى (ع) (كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً) لمّا كان عماد امر الرّسالة والعبادة هو التّسبيح والتّحميد بل كان أساس جملة الأمور على الطّرح والأخذ والخلع واللّبس الّذين صورتهما الزّكاة والصلاة والتسبيح والتحميد والتّبرّي والتّولّي ، جمع في غاية سؤال الموازرة ذلك للاشعار بانّ منظوره من السّؤال ليس الّا ما هو ملاك جملة الأمور ، وفيه اشعار بانّ الاجتماع إذا كان على سبيل الموافقة يعين على جهة العبادة (إِنَّكَ كُنْتَ بِنا بَصِيراً) اعتذار عن سؤال وزارة هارون بأنّك بصير بأحوالنا وانّى منفردا لا اقدر على إمضاء هذا الأمر وانّ هارون اولى من غيره لوزارتى وانّى لم أرد من هذا السّؤال الّا تكثير التّسبيح والذّكر ، أو استدراك لنقصان سؤاله بمعنى لكنّك كنت بنا بصيرا فان تعلم انّه لا يصلح لي هذا المسؤل ، أو لا يصلح هارون للوزارة ، أو لا خير لي في شرح صدري وتيسير أمري فلا تجب مسئولى (قالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى) قيل في هذا دلالة على انّه أراد بقوله واحلل عقدة من لساني العقدة الباطنيّة لانّ لكنة لسانه الظّاهر كانت باقية بدليل قوله تعالى حكاية عن فرعون : لا يكاد يبين (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى) كما مننّا عليك في هذه المرّة بتشريف الرّسالة وبإجابة مسئولك (إِذْ أَوْحَيْنا) ظرف لمننّا أو بدل من مرّة اخرى ان اعتبر فيها معنى الظّرفيّة فانّ المرّة بمعنى الفعلة من الفعل السّابق عليها لكنّها قد يعتبر فيها معنى الظّرفيّة بتقدير الزّمان قبلها (إِلى أُمِّكَ) حين تولّدك وخوفها من قتلك (ما يُوحى) ما ينبغي ان يوحى ولا يترك لترتّب المصالح العديدة عليه من إنجاء بنى إسرائيل من القبطىّ ، وإهلاك أعداء الله ، واحياء العالم بانتشار صيت الرّسالة والوحي كان إلهاما ، أو على لسان نبىّ وقتها أو كان بتحديث الملك في المنام أو في اليقظة (أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ) ان تفسيريّة وتفسير لما يوحى أو مصدريّة وبدل من ما يوحى يعنى أوحينا إليها ان تصنع تابوتا لا ينفذ الماء فيه وان تلقيك فيه (فَاقْذِفِيهِ) اى التّابوت أو موسى (ع) (فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ) تكرار عدوّ لمطلوبية تكرار الذّمائم عند الذّمّ ولانّ جهة عداوة كلّ غير جهة عداوة الآخر (وَأَلْقَيْتُ) عطف على أوحينا والتّفاوت في المسند اليه امّا لانّ الوحي لا يكون الّا بواسطة أو وسائط ، أو إلقاء المحبّة ليس الّا بلا واسطة ، أو للاشارة الى تشريف له بانّه تعالى بنفسه القى المحبّة اليه دون الوحي الى أمّه أو لمحض التّفنّن وتجديد النّشاط (عَلَيْكَ مَحَبَّةً) عظيمة أو حقيرة (مِنِّي) صفة لمحبّة بمعنى ألقيت عليك محبّتى فصرت محبوبا لي ، ومن صار محبوبا لي يصير محبوبا للكلّ لانّ محبّة كلّ الموجودات رقيقة من محبّتى فاذا تعلّق محبّتى بشيء تعلّق بذلك الشّيء محبّة جميع الموجودات لميل كلّ المحبّات الى أصلها الّذى هو محبّتى ، أو بمعنى ألقيت عليك محبّة النّاس من قبلي لا من جانب الأسباب مثل الجمال والكمال ، أو بمعنى ألقيت عليك محبّتك لي فصرت محبّا لي فصرت محبّا لك لانّ كلّ محبوب يحبّ محبّه ، أو بمعنى ألقيت عليك محبّتك للنّاس فصرت محبّا للنّاس فصار النّاس محبّا لك ومنّى ظرف لغو متعلّق بالقيت بهذين المعنيين وكان موسى (ع) بحيث كلّما راه راء احبّه ، ولذلك أجاب فرعون زوجته آسية في قولها : قرّة عين لي ولك لا تقتلوه (وَلِتُصْنَعَ) عطف على محذوف اى لتصير محبوبا ولتصنع أو متعلّق بمحذوف معطوف على ألقيت الى فعلت ذلك لتصنع (عَلى عَيْنِي) يقال فلان على عيني اى يكرم عندي ، أو المراد على ديدبانى يعنى مكرّما على ديدبانى الموكّل بك ولتشريف موسى (ع) بالنّسبة الى سفينة نوح (ع) قال هاهنا على عيني وهناك اصنع الفلك بأعيننا (إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ) متعلّق بالقيت أو بتصنع يعنى