بمن باع معه احدى البيعتين من سائر فعليّاته الّتى تنسب اليه وتكون نفسه عبارة عنها فالنّبىّ يكون اولى بالمؤمنين من أنفسهم في جميع ما ينسب إليهم من الأعمال والأقوال والأحوال والأخلاق والأحكام والآلام ، ولا تظننّ انّه (ص) حينئذ يكون اولى بهم في معاصيهم لانّ المعاصي ناشئة عن الحدود والنّقائص ، والحدود والنّقائص انّما هي ناشئة من الفعليّات السّابقة وراجعة الى الاعدام لا الى الفعليّات فأنفسهم تكون اولى بها من الفعليّة الأخيرة وقد سبق في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) تحقيق وتفصيل تامّ للولادة الرّوحانيّة ، ومن هذا يعلم انّ خلفاء محمّد (ص) الّذين كانوا مأمورين بأخذ البيعة العامّة أو الخاصّة عن الخلق كانوا اولى بمن بايعوا معهم من أنفسهم مثل محمّد (ص) وكانوا آباء لمن آمنوا بهم من غير فرق ولذلك ورد : انّ الائمّة كانوا بعد محمّد (ص) اولى بالمؤمنين مثل محمّد (ص) من أنفسهم (وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ) قرأ الصّادق (ع) هاهنا : وهو أب لهم.
بيان في الابوّة الرّوحانيّة والقالبيّة
اعلم ، انّه (ص) لمّا صار بحسب مقام بشريّته محكوما بحكم روحه بحيث لم يكن له بحسب مقام قالبه الّا آثار روحه وكان نسبته الى أمّته نسبة الابوّة كان جاريا على قالبه حكم الابوّة الرّوحانيّة فكان أزواجه بالنّسبة الى أمّته مثل أزواج الآباء بالنّسبة الى الأولاد ولذلك كنّ محرّمات على أمّته وان كانت أمّته بالنّسبة اليه بحسب مقام بشريّتهم غير محكومين بحكم الفعليّة الاخيرة الّتى كانوا بحسبها أبناء له فلا يجرى على قوالبهم حكم أرواحهم ولم يكن أزواجهم بالنّسبة اليه مثل أزواج الأبناء بالنّسبة الى الآباء ، مع انّه (ص) بحسب قالبه حكمه بالنّسبة إليهم حكم الآباء بالنّسبة الى الأولاد ولذلك قال تعالى شأنه : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) يعنى انّه أب لجهاتهم الرّوحانيّة ورجالكم الّذين هم محكومون بحكم القوالب غير منسوبين اليه بالبنوّة فليس هو أبا لرجالكم القالبيّة وان كان أبا لامّته من حيث انّهم رجال روحانيّون الهيّون ولذلك قال تعالى : (النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ) يعنى من حيث ايمانهم وأزواجه أمّهاتهم يعنى أمّهات المؤمنين من حيث ايمانهم ، لا يقال : ان كان الرّسول (ص) بحسب قالبه محكوما بحكم زوجه فينبغي ان لا يجوز له نكاح نساء أمّته ولا نكاح أزواج أمّته لانّا نقول : هو (ص) محكوم بحسب قالبه بحكم روحه لكنّ أمّته ليسوا محكومين بحكم أرواحهم فلم تكن أمّته أولادا له بحسب قوالبهم وشرف امومة المؤمنين وشرف مضاجعة الرّسول (ص) مانع من ان لا تكون أزواجه أمّهات للامّة ومحرّمات عليهم بحسب قوالبهم ، ولكن ليس هذا الحكم اى جريان حكم النّسبة الرّوحانيّة على القوالب الجسمانيّة جاريا بين المؤمنين والمهاجرين يكون بعض منهم اولى ببعض من قراباتهم الجسمانيّة في الوصاية أو في الامارة أو في الإرث أو غير ذلك بل (وَأُولُوا الْأَرْحامِ) الجسمانيّة (بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) في ذلك من الأقرباء الرّوحانيّة (فِي كِتابِ اللهِ) اى القرآن أو مطلق كتبه المنزلة من السّماء أو في كتابه العلوىّ من اللّوح المحفوظ ولوح المحو والإثبات أو في مفروض الله أو في احكام الرّسالة ، وقد مضت الآية في آخر سورة الأنفال وقد ذكر هاهنا موافقا لما ورد في الاخبار انّها نزلت لنسخ التّوارث بالهجرة والنّصرة لكن لا اختصاص لها بالتّوارث ولا بالامامة ولا بسائر الحقوق بل تجري في كلّ حقّ وإحسان وإنفاق ، وما ورد هاهنا انّها نزلت في الامرة وانّها جرت في ولد الحسين (ع) من بعده بيان لاهمّ مواردها (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ) ذكر المهاجرين بعد المؤمنين من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ للاهتمام بالخاصّ ولفظة من بيان لاولى الأرحام أو هي من التّفضيليّة (إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً) استثناء متّصل مفرّغ يعنى انّ اولى الأرحام بعضهم اولى ببعض في كلّ الأمور الّا في فعلتكم الى أوليائكم في الدّين معروفا فانّهم حينئذ يصيرون اولى بتلك الفعلة من اولى الأرحام أو في كلّ حال الّا في حال ان تفعلوا ، أو استثناء منقطع يعنى لكن فعلتكم الى أوليائكم معروفا تكون حسنا والمراد بالفعلة المعروفة الوصيّة وجعل الأولياء أوصياء ، أو الوصيّة بشيء للأولياء (كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً) اى في الكتاب العلوىّ من اللّوحين أو في الكتاب التّدوينىّ