الالهىّ النّازل إليكم من القرآن والكتب السّالفة (وَإِذْ أَخَذْنا) عطف على في كتاب الله أو على في الكتاب ، أو على مقدّر والتّقدير : النّبىّ اولى بالمؤمنين في ذلك الزّمان وفي وقت أخذنا ميثاق النّبيّين ، أو التّقدير أولوا الأرحام بعضهم اولى ببعض في هذا الزّمان ووقت أخذ الميثاق من النّبيّين ، أو معطوف على مقدّر تقديره : تذكّر ذلك واذكر إذ أخذنا (مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) في هذا العالم بأخذ الأنبياء وأوصياءهم (ع) بالبيعة منهم الميثاق أو في عالم الذّرّ بأخذنا بأنفسنا ميثاقهم (وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) ذكر هؤلاء الخمسة بعد ذكر الأنبياء عموما للاهتمام بشأنهم لكونهم اولى العزم من الأنبياء (ع) (وَأَخَذْنا) جملة حاليّة بتقدير قد ، أو عطف على أخذنا ، أو مستأنف على مجيء الواو للاستيناف (مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) ضمير منهم راجع الى النّبيّين (ع) أو الى المخصوصين المذكورين بعد النّبيّين (لِيَسْئَلَ) الله أو السّائل (الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ) اى عن كيفيّته ومقداره حتّى يجازيهم بحسبهما (وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً) عطف أو حال ولم يقل ويسأل الكافرين أو يعذّب الكافرين للاشعار بانّ سؤال الكافرين وعذابهم ليس من الغايات الذّاتيّة (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ناداهم اوّلا تنشيطا لهم حتّى يكونوا على تيقّظ لاستماع ما يأتى (اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ) يعنى الأحزاب فانّ أبا سفيان جمع الأحزاب من الاعراب قريش والقبائل الّتى كانت حول مكّة وبنى غطفان من النّجد وبنى قريظة وبنى النّضير من حول المدينة (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً) شديدة الهبوب بحيث لا تبقى خيمة ولا نارا لهم ، وشديدة البرد بحيث لا يتمالكون من بردها (وَجُنُوداً) من الملائكة (لَمْ تَرَوْها) لعدم إمكان رؤية الملائكة للنّاظر البشرىّ (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) من حفر الخندق والخروج من المدينة وتجبين بعض لبعض وارادة بعض للفرار وقولهم انّ بيوتنا عورة وما هي بعورة ، وقرئ لما يعملون اى ما يعمله قريش من التّخريب عليكم (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ) من أعلى المدينة وهو جانب المشرق والشّمال (وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ) وهو جانب المغرب والجنوب فانّ بنى غطفان جاؤا من فوقهم وقريش من اسفلهم (وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ) مالت وتحيّرت من شدّة الخوف والدّهشة لكثرة الأعداء (وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) كناية عن اضطراب القلوب فانّ القلوب عند غلبة الخوف تضطرب وتتحرّك من أسفل الى أعلى ، وإذا أريد المبالغة في اضطرابها يقال بلغت في تحرّكها من أسفل مقامها الى الحناجر (وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) الأنواع من الظّنّ أو المظنونات العديدة المتخالفة ، وقرئ الظّنون بحذف الالف في الوصل ، وقرئ بحذف الالف في الوصل والوقف ، والمراد بالظّنون ظنّ كذب محمّد (ص) ، وظنّ تكذيب الله لمحمّد (ص) وظنّ الاستيصال ، وظنّ الغارة على المدينة ، وظنّ صدق محمّد (ص) والاطمينان بالله والنّصرة من الله والغلبة على الأعداء وهزيمتهم (هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ) بكثرة الجنود من الأعداء مع قلّتهم وبالظّنون المتخالفة وارادة الفرار (وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً) وكان المنظور من ذلك الابتلاء وهذا الزّلزال خلوص ايمان المؤمن وظهور نفاق المنافق (وَإِذْ يَقُولُ) عطف على إذ جاءتكم (الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ) من الظّفر وإعلاء الدّين والسّلطنة على أهل الأرض (إِلَّا غُرُوراً) وعدا مموّها باطلا يغرّنا به (وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ) ليس هاهنا مقام قيام لكم (فَارْجِعُوا) الى منازلكم (وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَ) للرّجوع (يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا