يبلّغون (الى آخره) (وَكانَ أَمْرُ اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً) يعنى انّ امره قدّر سابقا في الألواح بحيث لا يكون فيه تخلّف فما لهم يلومون في امر يكون قدرا مقدورا غير متخلّف عنه (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللهِ) صفة أو بدل من الّذين خلوا ، أو خبر مبتدء محذوف ، أو مفعول فعل محذوف ، أو مفعول فعل محذوف (وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللهَ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً) فينبغي ان لا يخشى الّا منه (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) قد مضى بيان هذه الكلمة في اوّل السّورة عند قوله : وأزواجه أمّهاتهم ولمّا توهّم من نفى ابوّته لرجالهم انتفاء النّسبة بينه وبين أمّته استدرك ذلك بانّه (ص) ما كان أبا أحد من رجالكم الجسمانيّين ولكنّه أب لامّته من حيث انّهم مؤمنون ورجال ونساء روحانيّون فقوله تعالى (وَلكِنْ رَسُولَ اللهِ) واقع موقع قوله تعالى ولكنّه ابو رجاله الرّوحانيّين (وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ) هذه الكلمة للتّرقّى عن كونه أبا لامّته فكأنّه قال : بل هو أب لجميع المرسلين وأممهم لانّه خاتمهم والخاتم ينبغي ان يكون محيطا بالكلّ ومنسوبا الى الكلّ نسبة الأب الى الأولاد ، وقرئ هذه الكلمة بكسر التّاء وفتحها (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) لا أنتم فيعلم هو النّسبة الجسمانيّة والرّوحانيّة بين الأشياء ويعلم مقدار كلّ وحكم كلّ بحسبه وقدره لا أنتم فلا تقولوا لما يحكم الله به : لم كان كذا؟ أو لو لم يكن ذلك كذلك! فانّه ردّ من الجاهل على العالم ، أو تأمّل من الجاهل في حكم العالم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً) قد مضى في سورة البقرة بيان الذّكر ومراتبه وأنواعه ، عن الصّادق (ع) ما من شيء الّا وله حدّ ينتهى اليه الّا الذّكر فليس له حدّ ينتهى اليه (الى ان قال) فانّ الله عزوجل لم يرض منه بالقليل ولم يجعل له حدّا ينتهى اليه ثمّ تلا هذه الآية ، وعنه (ع) : تسبيح فاطمة الزّهراء من الذّكر الكثير الّذى قال الله : اذكروا الله ذكرا كثيرا ، وفي خبر : من ذكر الله في السّرّ فقد ذكر الله كثيرا (وَسَبِّحُوهُ) بالقول والفعل (بُكْرَةً وَأَصِيلاً) اشارة الى استغراق الأوقات ، أو المراد التّسبيح في هذين الوقتين لشرافتهما ، وذكر التّسبيح بعد الذّكر تخصيص بعد التّعميم ، أو تقييد بعد الإطلاق ان أريد بالذّكر الذّكر اللّفظىّ أو النّفسىّ وبالتّسبيح أيضا التّسبيح القولىّ أو النّفسىّ لا التّنزيه الفعلىّ وقد مضى الفرق بين التّسبيح والتّقديس في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) ومضى في مطاوى ما سلف انّ المراد بتسبيح الرّبّ وتسبيح اسمه وبتسبيح الله هو تنزيه اللّطيفة الانسانيّة الّتى هي اسم للرّبّ بوجه وربّ بوجه ومظهر لله بوجه واله بوجه عن حدودها ونقائصها ، وجملة الأعمال والأقوال الشّرعيّة مقدّمة لهذا التّنزيه كما انّ جملة الرّياضات والمجاهدات وسائر الأعمال القلبيّة نفس ذلك التّنزيه (هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ) اى يرحمكم أو ينزّل الرّحمة عليكم (وَمَلائِكَتُهُ) يعنى ويستغفر لكم ملائكته فانّ الصّلوة من العباد الدّعاء ومن الله الرّحمة ومن الملائكة الاستغفار ، وهذه الكلمة في موضع التّعليل للأمر بالذّكر الكثير (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ) ظلمات نقائص المادّة وحدود الطّبع واهوية النّفس ورذائلها (إِلَى النُّورِ) اى نور الايمان والطّاعة والأخلاق الحسنة ونور عالم الإطلاق (وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) لانّ فعليّتهم الاخيرة الّتى هي عبارة عن صورة نازلة عن ولىّ أمرهم رحمة من الله وجاذبة لرحمة اخرى منه كما انّها ولىّ أمرهم بوجه (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ) اى يلقون حسابه وحسّابه أو يلقون مظاهره وائمّتهم (ع) لانّ المؤمن بعد طىّ البرازخ يلقى امامه سواء كان طىّ البرازخ بالاختيار وبالسّلوك حتّى حضروا عند امامهم في الدّنيا ، أو بالاضطرار ووصولهم الى الأعراف وحضورهم عند امامهم في الآخرة (سَلامٌ) لانّ المؤمن بعد الحضور عند امامه يصير سالما من جميع الآفات والنّقائص ، واضافة التّحيّة الى الضّمير من قبيل اضافة المصدر الى الفاعل أو الى المفعول اى تحيّة بعضهم لبعض ، أو تحيّة الله وملائكته لهم والجملة حاليّة أو مستأنفة