والمتعاهدون للفقراء والجيران واليتامى ويطعمون الطّعام ويفشون السّلام في العالم ويصلّون والنّاس نيام غافلون (مِنْها خَلَقْناكُمْ).
اعلم ، انّ المخاطب من كلّ مخاطب هو الفعليّة الاخيرة التي هي الصّورة الّتى هو بها هو ، لا الفعليّة السّابقة الفانية المستهلكة تحت الفعليّة الاخيرة لكنّ الفعليّة الاخيرة بحكم الاحاطة والمعيّة مع كلّ الفعليّات السّابقة كانت متّحدة ، ويجوز ان يجرى عليها حكم تلك الفعليّات فصحّ ان يخاطب الإنسان ويحكم عليه بحكم مادّته الّتى هي مخلوقة من الأرض باعتبار غلبة جزئها الارضىّ والّا فهي مخلوقة من العناصر الاربعة ، وخلق مادّة الإنسان من الأرض وعودها إليها ظاهر ، وخروجها منها بعد عودها إليها باعتبار كونها مادّة لهذا الإنسان خفىّ غير ظاهر ، نعم مادّة الإنسان تخرج من الأرض وتجعل مادّة لمواليد أخر أو لاناسىّ آخرين تارات أخر بل كرّات غير متناهية لكن نقول : انّ الإنسان له مراتب دانية طبيعيّة ومراتب عالية روحانيّة ، والانسانيّة لسعتها واحاطتها متّحدة مع الكلّ وصادقة عليها كما انّ القرآن له مصاديق دانية طبيعيّة ومصاديق عالية روحانيّة ، وانّ المنظور من الإنسان كالقرآن هي المصاديق الرّوحانيّة والمصاديق الطّبيعيّة منظورة بالتّبع وكما انّ المرتبة الطّبيعيّة من الإنسان خلقت من الأرض الطّبيعيّة كذلك المرتبة البرزخيّة والمثاليّة منه خلقت من التّراب العلّيّينىّ البرزخىّ المثالىّ أو السّجّينىّ البرزخىّ ، فصحّ ان يقول الله تعالى : من الأرض البرزخيّة أو المثاليّة خلقناكم (وَفِيها نُعِيدُكُمْ) بعد موتكم الطّبيعىّ (وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) بعد الانتهاء الى الأعراف من البرزخ ، وقد ورد انّه سئل ابو إبراهيم (ع) عن الميّت لم يغسّل غسل الجنابة؟ ـ فقال : انّ الله تبارك وتعالى أعلى وأخلص من ان يبعث الأشياء بيده انّ لله تبارك وتعالى ملكين خلّاقين فاذا أراد ان يخلق خلقا امر أولئك الخلّاقين فأخذوا من التّربة الّتى قال الله عزوجل في كتابه : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) فعجنوها بالنّطفة المسكنة في الرّحم فاذا عجنت النّطفة بالتّربة قالا : يا ربّ ما نخلق؟ ـ قال (ع) فيوحى الله تبارك وتعالى ما يريد ذكرا أو أنثى مؤمنا أو كافرا اسود أو ابيض شقيّا أو سعيدا ، فاذا مات سالت عنه تلك النّطفة بعينها لا غير ، فمن ثمّ صار الميّت يغسّل غسل الجنابة ، وهذا الخبر يشعر بما ذكرناه من التّربة البرزخيّة فانّ التّربة الّتى تعجن بالنّطفة في الرّحم أو بعد أربعين يوما من نزولها في الرّحم ليست الّا التّربة البرزخيّة فانّ النّطفة لها كيفيّة استعداديّة لحصول الجسد البرزخىّ والمثالىّ فيها ، وبهذا الاستعداد يخلق الإنسان الّذى هو امر روحانىّ فيها ، ولو لا هذا الاستعداد لكان النّطفة غير قابلة للصّورة الانسانيّة ولا لروحانيّتها ، والموت صفة طارية لبدن الإنسان والّا فجهاته الرّوحانيّة حيّة لا يطروها الموت والخارج من بدن الإنسان حين موته ليس الّا روحه واستعداد النّطفة لقبول روحه والتّربة المثاليّة فقوله (ع) في الخبر : فاذا مات يعنى إذا مات مرتبة الإنسان الطّبيعيّة وقوله : سالت عنه ، يعنى عن تلك المرتبة الطّبيعيّة تلك النّطفة يعنى تلك المعجونة بالتّربة البرزخيّة من حيث اعتجانها واستعدادها لا من حيث ارضيّتها الطّبيعيّة وقد ورد بمضمون هذا الخبر عنهم (ع) (وَلَقَدْ أَرَيْناهُ) بواسطة موسى (ع) (آياتِنا) من جعل العصا حيّة حيّة ، واليد البيضاء والآيات السّابقة على رسالة موسى (ع) من حين ولادته الى خروجه من مصر الدّالّة على علمنا وقدرتنا ، وان لا مانع من إمضاء مقاديرنا ، وانّ الماكر معنا يمكر بنفسه ، فيغلب من حيث مكره ، أو أعلمناه آياتنا الدّالّة على قدرتنا وعلمنا ، وغلبتنا في اليقظة والمنام من المعجزات وغيرها (كُلَّها) عموم الآيات وتأكيد العموم بالكلّ اضافىّ لا حقيقىّ يعنى الآيات الّتى يمكن اراءتها له (فَكَذَّبَ) موسى (ع) أو فكذّب الآيات (وَأَبى) من الايمان بنا وبرسولنا وزعم انّ موسى (ع) مثل أبناء الزّمان طالب للملك الدّاثر و (قالَ أَجِئْتَنا لِتُخْرِجَنا مِنْ