فقال : يا با حمزة ليزاحمونا على تكأتنا (١) وقد ورد اخبار كثيرة انّ الائمّة يرون الملائكة ويصافحونهم وقد ذكرنا في سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) في ذيل بيان مراتب الإنسان والفرق بين الرّسول والنّبىّ والمحدّث ، وجه ما ورد انّ الرّسول يرى الملائكة في المنام ويسمع كلامه ويعاينه في اليقظة ، والنّبىّ يرى في المنام ولا يعاين في اليقظة ويسمع الصّوت ، والمحدّث لا يرى في المنام ولا يعاين ويسمع الصّوت ، وقد ذكرنا هناك وجه عدم منافاة هذه الاخبار لما ورد منهم انّهم يعاينون الملائكة ، من أراد فليرجع الى ما هناك (ما يَفْتَحِ اللهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ) جملة حاليّة من قوله : (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) كأنّ الاولى كانت لعموم قدرته وهذه لعجز غيره عن ممانعته من نفوذ قدرته ، أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر لبيان هذا المعنى ، أو مستأنفة منقطعة عن سابقها لبيان قدرته وعجز غيره (فَلا مُمْسِكَ لَها وَما يُمْسِكْ) من رحمة أو ما يمسك من رحمة ونقمة ، أو ما يمسك من نقمة ولعلّ هذا المعنى هو المراد لئلّا ينسب إمساك الرّحمة اليه لانّه ليس منه الّا افاضة الرّحمة على الدّوام وانّما الإمساك يعنى عدم وصول الرّحمة الى بعض القوابل ليس الّا من قبلها لا من قبل الله (فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ) الّذى لا يقدر على منازعته أحد (الْحَكِيمُ) الّذى لا يفعل ما يفعل الّا بملاحظة غايات عديدة دقيقة لا يمكن دركها الّا له والّا بإتقان في الصّنع بحيث يعجز عن ادراك كيفيّته عقول العقلاء (يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ) من غاية رحمته بعباده ، كرّر تذكير نعمته عليهم حتّى لا ينسوها ويقوموا بحقّ شكرها وناداهم قبل الأمر بذكر النّعمة ليكونوا ملتذّين بندائه فيصغوا الى امره حقّ الإصغاء ، وقد تكرّر في ما سبق انّ أصل النّعمة الولاية التّكوينيّة الّتى يعبّر عنها بحبل من الله والولاية التّكليفيّة الّتى يعبّر عنها بحبل من النّاس وكلّ ما كان متّصلا بتلك الولاية فهو نعمة بسببها ، وكلّ ما كان منقطعا عن الولاية كائنا ما كان كان نقمة (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ) جملة حاليّة عن النّعمة أو عن الله بتقدير القول أو مستأنفة جواب لسؤال مقدّر بتقدير القول ، أو مستأنفة لمدح النّعمة (يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ) بتهيّة الأسباب السّماويّة (وَالْأَرْضِ) بتهيّة الأسباب الارضيّة ، أو من السّماء بالرّزق الانسانىّ والأرض بالرّزق الحيوانىّ والنّباتىّ (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) حاليّة أو مستأنفة لبيان حال الله أو لتعليل حصر الرّزق فيه أو للمدح (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) اى تصرفون عنه (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ) فلا تحزن عليهم فانّ الرّسول لا بدّ وان يكذّب لعدم سنخيّته لهم وهكذا كانت سنّتنا قديما (فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ) فنذكر حالهم وحال أممهم في تكذيبهم حتّى لا تحزن على تكذيب قومك (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) يعنى اليه تنتهي أنت ومكذّبوك فيجازى كلّا بحسبه أو الى الله ترجع الأمور بعد النّظر الدّقيق فإليه يرجع تكذيبهم بمعنى ان ليس تكذيبهم الّا بأمر تكوينىّ وترخيص من الله لمصلحة عائدة إليك والى أمّتك فلا تضيقنّ لذلك (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ناداهم تلطّفا بهم لتهييجهم للاستماع وصرف الخطاب عنه (ص) الى المكذّبين بعد تسليته ردعا لهم عن تكذيبهم أو الى مطلق العباد وعدا ووعيدا لهم (إِنَّ وَعْدَ اللهِ) بالثّواب والعقاب (حَقٌ) لا خلف فيه (فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا) فتغفلوا عن وعد الله ولا تعملوا له (وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) اى الشّيطان بان يمنّيكم المغفرة ويؤخّركم التّوبة (إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ) فاذا كان عدوّا لكم (فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا) ولا توافقوه فيما يأمركم به وكونوا منه على حذر (إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ)
__________________
(١) التّكأة بضمّ التّاء والتّحريك كهمزة ما يتّكئ عليه ومنه حديث أهل البيت : وانّهم يعنى الملائكة ليزاحمونا على تكأتنا. (مجمع البحرين)