لا حاجة له فيه الى تعمّل وتمهيد أسباب (وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ) قد مضى في سورة الفرقان بيان للبحرين (وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَواخِرَ) الفلك المواخر الّتى يسمع صوت جريها أو تشقّ الماء بجؤجؤها ، أو المقبلة والمدبرة بريح واحدة (لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) اى من فضل الله بالتّجارات الرّابحة (وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النّعمة الّتى أودعها الله تعالى في الفلك والبحرين (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) قد مضى بيان هذه الكلمة في اوّل سورة آل عمران (وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى) قد مضى الآية في اوّل الرّعد وفي غيرها (ذلِكُمُ) الموصوف بتلك الأوصاف (اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ) عالم الملك مقابل الملكوت ، أو الملك بمعنى كلّ مملوك لا شركة لغيره في عالم الملك كما يقوله الثّنويّة ، ولا في شيء من المماليك كما يقوله بعض العابدين للملائكة وجميع الثّنويّة (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) من دون اذنه كمن يدعو مقابلي ولىّ الأمر أو حالكونهم بعضا من غيره لكلّ معبود سواه ولم يأذن تعالى في اشراكه (ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ) اى الجلدة الرّقيقة الّتى تكون على ظهر النّواة ، أو شقّ النّواة ، أو القشرة الّتى تكون فيه أو النّكة البيضاء الّتى في ظهرها (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ) الأوصاف مترتّبة في التّنزّل كأنّه تعالى اضرب عن كلّ الى الآخر (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) على الإطلاق وهو الخبير مجملة الأمور وهو الله تعالى (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ناداهم تلطّفا بهم وتثبيتا لغناه وفقرهم (أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ) تعريف المسند لارادة الحصر ردّا لمن قال : انّ الله فقير ونحن أغنياء (وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) اعلم ، انّ الفقر والحاجة في الممكن عين ذاته الوجوديّة ، بمعنى انّ وجوده وجود تعلّقىّ والتّعلّق عين ذاته لا انّ وجوده شيء والتّعلّق صفة له وهذا النّحو من الوجود لا يكون له شأن الّا الفقر والفاقة والتّعلّق ، وانّ وجوده تعالى وجود غنىّ بذاته عن كلّ ما سواه وانّ الغنى عين ذاته تعالى كسائر صفاته وهذا النّحو من الوجود لا شأن له سوى الغنى ولا يتجاوز الغناء عنه الّا به تعالى وكلّ من كان الغناء عين ذاته يكون حميدا على الإطلاق بمعنى انّه لا يكون حميد الّا وهو هو لانّه لو وجد صفة كمال لم تكن هي لله تعالى كان مفتقرا إليها فاقدا لها ولم يكن غنيّا على الإطلاق (إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ) هذه من القضايا الّتى يكون فيها وضع المقدّم دائما كأنّه قال : لكنّه يشاء ذلك أو من القضايا الفرضيّة الّتى لا وضع لمقدّمها كأنّه قال : لكن لم يشأ ذلك فلم يذهبكم ، على ان يكون المعنى ان يشأ يذهبكم قبل آجالكم (وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ) اى شديد حتّى يكون متعذّرا أو متعسّرا عليه وهذه الجملة تأكيد لغناه وفقرهم اليه (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ) اى نفس قابلة لان تزر وزرا (وِزْرَ أُخْرى) فلا تغترّوا بما قيل لكم : نحن نحمل خطاياكم ، وقوله تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ) لا ينافي ذلك لانّ معناه ليحملنّ أثقالا ناشئة من اضلالهم مع انّه لا يخفّف من أثقال من اضلّوهم شيء لا انّهم يحملون أثقال من اضلّوهم فيصير الاتباع خالين من الأثقال (وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ) اى ان تدع نفس مثقلة من الأوزار (إِلى حِمْلِها) الحمل بالكسر ما يحمل يعنى ان تدع كلّ ما يمكن ان يدعى من الله وخلفائه ومن الشّركاء لله ومن الشّركاء في الولاية ومن كلّ نفس بشريّة ومن كلّ ما يحمل شيئا من أصناف الحيوان (لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ) المدعوّ (ذا قُرْبى) له رحيما عليه بفطرة قرابته (إِنَّما تُنْذِرُ) جواب لسؤال مقدّر كأنّه قيل : فما لهم لا يخافون من سوء العاقبة